بعد نشر مقالنا بعنوان quot;مبادرة الى حكماء العراقquot; في ايلاف بتاريخ 14 مايو 2011 لتشكيل مجلس حكماء العراق، بادرت كتلة العراقية البيضاء بتاريخ 16 ايلول الى تبني الفكرة واطلقت دعوتها لتأسيس مجلس الحكماء، واليوم تتقدم الكتلة العراقية برئاسة اياد علاوي وتدعو الى تشكيل نفس المجلس وبنفس العنوان لتخطي الازمة السياسية العويصة التي يمر بها العراق في المرحلة الراهنة.
فقد قالت ميسون الدملوجي الناطق الرسمي باسم القائمة العراقية في تصريح مكتوب لايلاف، إن قيادة القائمة قدمت رؤيتها إلى الرئيس جلال طلباني حول المؤتمر الوطني المزمع عقده في القريب العاجل، وأوضحت أن الرؤية تركز على محاور مهمة ورئيسة، تدعو إلى تشكيل لجنة حكماء من الطيف السياسي العراقي، إضافة إلى شخصيات مستقلة، تعمل على تفكيك الأزمة الراهنة، وأضافت إن الرؤية تتضمن أيضًا الدعوة إلى وضع نظام داخلي لمجلس النواب، وتحقيق التوازن بين المكونات العراقية، إضافة إلى تنفيذ وثيقة الإصلاح السياسي، التي أقرها مجلس النواب في دورته السابقة، وأشارت إلى أن هذه الرؤية تضمنت أيضًا ضرورة وضع خارطة طريق لمسار العملية السياسية في العراق، بما يقودها نحو الاستقرار والهدوء، على أن يتم احترام الدستور إلى حين تعديله بالإجماع الوطني.
ولغرض تأسيس مجلس حكماء العراق، نرى ضرورة توفر شروط محددة في رئيس واعضاء المجلس، منها الكفاءة والخبرة والمصداقية والاستقلالية والموضوعية والمهنية والوطنية، والالمام التام بجوانب الأزمات والتعامل معها على أساس الحكمة والمنطق والحرص مع ضمان الوسائل الفعالة لمعالجتها، وحصر الأولويات ضمن برنامج عمل لتنظيم الاهتمامات العاجلة والآجلة، والقدرة على تشخيص المسببات وطرح الافكار العملية لايجاد الحلول لها، وانتهاج مبدأ الشفافية في تسيير الأمور واحترام مبدأ حرية التعبير والرأي الاخر، وامتلاك القدرة على زرع الثقة بين المواطن وسلطات الدولة، واحترام مطالب العراقيين وبذل اقصى الجهود لتحقيقها.
وبهدف تأسيس المجلس، يمكن اقامته وفق آلية تخدم الدستور الدائم وهيكل سلطات الدولة العراقية لكي لاتكون هنالك تداخل وتعارض مع البنية الدستورية للدولة، وعلى هذا الاساس نقترح تشكيل المجلس وفق الهيكلية التالية:
اولا: مجلس حكماء العراق: ويقترح ان يتشكل من رئيس واعضاء، وهم رئيس الجمهورية رئيسا للمجلس ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس القائمة العراقية ورئيس السلطة القضائية ورئيس اقليم كردستان وزعامات المرجعيات لكل المكونات الدينية ورؤساء الكتل النيابية في البرلمان، اعضاءا في المجلس.
ثانيا: هيئة الخبراء: ومهامها توفير وتقديم المعلومة والخبرة والمشورة العملية لمجلس الحكماء وفق السياقات القانونية والمهنية والموضوعية، ويقترح ان تتشكل من مجموعة نخبوية لا تزيد اعضائها عن مائة شخصية من الاكاديميين والكتاب والادباء والفنانين والصحفيين ورجال الاعمال وقيادات منظمات المجتمع المدني ممن لهم رصيد مؤثر على الساحة العراقية.
ثالثا: لجان الحوار الشعبي: وتتشكل بمجموعات لا تزيد عن عشرة لجان من هيئة الخبراء لاجراء حوارات ولقاءات مباشرة وهادئة مع شرائح ومكونات المجتمع المختلفة وفق برنامج عمل جدي وفعال لدراسة الأزمات والمشاكل التي يعاني منها المواطنون في كل ارجاء العراق، وعلى أن تكون المشاركة طوعية بعيدا عن تزكية أو دعم اي طرف سياسي أو حزبي.
هذه الهيكلية المقترحة لتشكيل المجلس تشكل دعامة أساسية لتغذية وتقوية السلطات القائمة لادارة الدولة العراقية، وهي التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولا شك أهمية هذا المجلس بهذه الصورة لجمع كافة الاطراف المعنية، تأتي لاخراج العراق وحكومته من الأزمة السياسية التي يعاني منها من فترة نتيجة الخلافات بين الكتل النيابية الرئيسية في مجلس النواب على الاستحقاقات الانتخابية وعلى تفسير الفهم المشكوك فيه لكلمة الأغلبية البرلمانية في الدستور الدائم.
ويمكن ديمومة هذا المجلس المقترح في المستقبل من خلال ترشيح أعضائه في دورات انتخابية مقبلة مع الدورات الانتخابية النيابية لتكون أعلى سلطة شعبية في متابعة ومراقبة اعمال البرلمان والحكومة بعيدا عن الحسابات والمصالح السياسية والحزبية التي تنخر بالجسد العراقي.
وكما قلنا في المقال المنوه عنه، ان الدولة العراقية الممثلة بالسلطة التنفيذية بشقيها رئاسة الجمهورية والحكومة والسلطة التشريعية الممثلة بالبرلمان والسلطة القضائية، تعاني من أزمة سياسية حقيقية منذ اعلان نتائج الانتخابات البرلمانية للدورة الثانية، وهي أزمة حملت مخاطر جدية على حاضر ومستقبل البلاد، والحكومة المشكلة بفعل اتفاقية اربيل برئاسة نوري المالكي لم تقدر على كسب ثقة العراقيين ولم تقدر على ايجاد حلقة الوصل بين الكتل النيابية التي مرت باستمرار بخلافات وتباعدات سياسية نتجت عنها إنعدام الثقة وأزمات سياسية ومشاكل اقتصادية واجتماعية للمواطنين، اضافة الى تواصل الفساد الرهيب في مفاصل الدولة، وبروز فوارق طبقية شاسعة بين أقلية متسلطة وأغلبية كادحة، مع غياب تام للعدالة الاجتماعية، وارساء سياسة استبدادية لنهب لأموال وممتلكات الدولة من قبل المسؤولين الحزبيين والحكوميين والتجار والمقاولين الفاسدين.
ولا ينكر ان الفترة العصيبة التي مر بها العراق من الفين وثلاثة ولحين انسحاب القوات الامريكية شكلت أخطر لحظة وجودية للبلاد في التاريخ الحديث، وتحملها العراقييون بصبر نادر وألم جارح بكل معاني الكلمة، وتصدوا لها بمسؤولية عالية للخروج منها بأقل التضحيات البشرية والمادية، ولولا صبر وتحمل وتسامح العراقيين والحكماء والعقلاء والمخلصين في المكونات العراقية الشيعية والسنية والكردية من المرجعيات الدينية والاجتماعية والسياسية التي لعبت دورا رئيسيا وأساسيا في انقاذ البلد من الحرب الطائفية التي فرضت لحرق البلد بنار الفتنة الطائفية، لذهب كيان الدولة العراقية في مهب الريح.
ولغرض التعامل مع جوهر الأزمة السياسية بحكمة وتروي وعقلية مفتوحة ومبصرة، وبهدف التقارب وزرع الثقة بين المواطن والسلطة والعمل على وقف امتداد الأزمة وحصرها وإزالة اسبابها، والسعي للتعامل مع الواقع الراهن بالحكمة والمنطق والمسؤولية التاريخية، اطلقنا منذ فترة هذه البادرة لتأسيس مجلس حكماء العراق، ليكون مرجعا اعتباريا لكل العراقيين، يتشكل نواته من القيادات السياسية وزعماء المرجعيات الدينية لكل المكونات المذهبية ومن شخصيات مؤهلة مستقلة تعمل بحيادية ومسؤولية بهدف تحقيق التحاور الجاد وتقديم الشورى للجهات الممثلة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية للخروج بنتائج ملموسة على أرض الواقع تمس الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والحياتية والخدماتية للمواطن العراقي، ولايجاد آليات عمل لتنفيذ مطالب الأمة من استقرار سياسي وخدمات واصلاحات وتحولات اقتصادية وأجتماعية حقيقية لصالح الجميع مع ضمان الحقوق الدستورية لكل انسان على ارض بلاد الرافدين.
وبهدف تحقيق هذه المبادرة نجد ضرورة اختيار شخصيات مؤهلة للمجلس فيها المصداقية والوطنية والالتزام التام بالمسؤولية ولها البصيرة النافذة والرؤية الشاملة للمساعدة على حلحلة الأزمات السياسية والخدماتية والمعيشية والحياتية التي يعاني منها العراقييون، والنية الصادقة لاخراج تلك الازمات من الطريق المسدود السائر عليها لتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع في الاعمار والبناء والتمنية والاصلاح والقضاء على الفساد، ونأمل من الأطراف المعنية بهذه المبادرة ان تكون لها القدرة على اختيار مثل هذه الشخصيات بعيدا عن الحسابات الحزبية والذاتية والأنانية المفرطة التي تتسم بها اغلب الجهات العراقية، ونأمل ان تتعامل الرئاسة والحكومة والبرلمان مع هذه الدعوة ودعوة القائمة العراقية بايجابية للحفاظ على تجربة النموذج العراقي المتميزة بنظام ديمقراطي دستوري وتعددي وبرلماني.
وليس بغريب، ان الواقع الراهن تستدعي لفتة عاجلة من النخبة العراقية لدعم وتأييد هذه الدعوة وهذا المجلس للعمل على اخراج العراق من ازماته بمعالجات سريعة وبطرق غير تقليدية، وفي حال تأسيس هذا المجلس واتاحة المجال امامه للقيام بدوره بفعالية ستساعد الحكومة والبرلمان على اتخاذ الإجراءات العملية والميدانية الضرورية لمعالجة الأزمات وازالة المشاكل الخدماتية والحياتية والمعيشية وتحقيق التغيير والاصلاح ومكافحة مظاهر الفساد في البلاد، وسيشكل المجلس عاملا حاسما لإحداث نقلة نوعية في ارساء علاقة حية بين المواطن والدولة لخدمته وتحقيق مطالبه في ضمان حياة حرة كريمة وتحقيق العدالة والمساواة والكرامة، ولهذا نأمل ان تتحقق هذه الدعوة لتأسيس مجلس حكماء العراق باسرع ما يمكن لصالح كل أبناء الأمة العراقية، والمؤتمر الوطني العراقي المزمع انعقاده في اقرب وقت في بغداد برعاية الرئيس طالباني مدعو للأخذ بهذه البادرة الوطنية وتأسيس المجلس لضمان حاضر مشرق ومستقبل زاهر لكل العراقيين.
كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]
التعليقات