هل دعاك أحدهم يوما لركوب آلة الزمن ؟ ماذا لو ركبتها لتعود بك إلي ما قبل ربع قرن مضي، وتحط بك في أرض الرشيد ( عزبة المالكي حاليا ) ؟! الآن أدعوك لتمتع ناظريك بهذه الصحراء الجرداء التي لا زرع فيها ولا ماء.. وأأسف أن متعتك لن تطول كثيرا حيث سيلتهمها قرس بردها ليلا ولظي شمسها نهارا..! أعلمت أين أنت بالضبط في بلاد المالكي؟! أنت علي الحدود الإيرانية العراقية.. بصحراء محافظة ديالي.. الآن سأتركك وسأعود لك في نهاية العام 2011.. إلى لقاء..

إن قصتنا لم تنته بعد.. وهي ليست إلا مأساة انسانية جديدة تضاف إلي سجل المآسي البشرية.. حين يلتجئ الإيرانيون المناوئون لملالي السلطة الغاشمين بالجمهورية الطائفية الإيرانية بزوجاتهم وأطفالهم إلي أرض عربية، ما عرفناها إلا بأرض العزة والكرم.. أرض الثقافة والشيم.. أرض المهابة ورعي الذمم، ثم هم يعمّرون الصحراء بالبنايات الطيبة والجامعات والأندية والمشافي، فيقوا الأحياء تقلب مزاج الصحراء، وبالملاجئ يقون أنفسهم غدر غارات عشاق السلطة. بعد كل هذا نغدر بهم ونكفر بوجودهم ونخرق كل العهود الدولية والمواثيق الإنسانية، ناسين فيهم ديننا وعروبتنا وشيمنا ليس لشئ إلا لجبن غطي سماءنا، ورعب ملأ كل كياننا..!

إنهم الأشرفيون يا سادة.. إنهم معارضو الملاليين بإيران.. إنهم أعضاء مجاهدي خلق.. قولوا أنهم ليسوا ببشر!! قولوا أنهم لا يستحقون الحياة!! قولوا أنهم مجرمون آثمون وجب إفناؤهم.. قولوا الحقيقة أنكم سأمتم وجودهم.. هذا أفضل لكم من كل هذا الخداع والكذب الذي تمارسوه علي الدنيا لأجل أن تظهروا أنكم بشرا من لحم ودم.. تشعرون بآلام الغير وتحسون جراحه، وتشاركونه همومه..!

فالمجرم حتي المجرم له من الحقوق ما يكفل له رعاية صحية آمنة في ظل محاكمة عادلة ثم عقوبة يقضيها بما يحفظ عليه حياته، وكرامته.

إني لأستحضر الآن تصريحات الرئيس بوش الابن عن محور الشر في 29 يناير 2002 واصفا حكومات العراق وايران وكوريا الشمالية، فماذا فعل بإيران وكوريا ؟ وماذا فعلت حكومة أوباما بعده؟ لقد دمّر بوش الابن العراق لصالح إيران، ثم جاءت من بعده حكومة أوباما لتعترف بملكية أسرة كيم جونغ إيل لكوريا الشمالية.. جونغ إيل الذي عاش حياته مناهضا للولايات المتحدة وسياستها في شبه الجزيرة الكورية، ومهددا لإخوانه ومتوعدا لهم في كوريا الجنوبية!!

أليس هذا من مفارقات القدر؟! ألا يعني هذا أننا نحيا مسرحية هزلية قميئة تدعو إلي الغثيان؟!

إنهم يعاقبون من شاءوا ويتركون من شاءوا لا يحكمهم في ذلك غير المصلحة.. غير (البيزنس)..!! لا ثمن ولا قيمة للنفس البشرية.. للروح الانسانية.. هذه هي الحقيقة.. المصلحة هي كل شئ.. مصالحي ومن بعدها ليأكل الطوفان ما شاء وليغرق من شاء وقتما شاء علي أي أرض شاء..!

وما الأمم المتحدة إلا مسرحا، وممثلوها عرائس تحركهم خيوط غليظة بيد عملاقة، وإلا فليخبروني لماذا كل هذا الجبن، وكل هذا الذعر، وكل هذا البطء، وكل هذا التخاذل في حق الأشرفيين؟ أخبروني يا كل برلمانات أوروبا وأمركا لماذا هذا الصمت؟ صمتم دهرا ثم نطقتم كفرا، وبأدني الحقوق قبل الأشرفيون في مخيمهم بالعراق بــ ( ليبرتي ndash; المخيم الانتقالي الجديد للأشرفيين بالعراق - )، ثم ها هو ( ليبرتي ) لا يرضي بهم، ولا يقبلهم!!

تغاضوا عن حقهم في أن يعاملوا كلاجئين..وتغافلوا عن توقيع مذكرة التفاهم مع الحكومة العراقية لصالح السيد كوبلر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، ورضوا أن يهمشوا حتي لم يحضر هذا التوقيع لاجئا أشرفيا واحدا!! وقبلوا بكل الشروط المجحفة للمالكي المتواطئ.. رضوا بها قسرا وغصبا.. رضوا بها اثباتا لحسن النية، وتأكيدا علي أنهم بشر كل أملهم هو الحياة الآمنة في العراق أو في غيرها من بلاد الله، طالما أن الجبابرة الملاليين ساوموهم على حياتهم علي أراضيهم بإيران.

قبلوا كل هذا وأكثر، وما من فائدة واحدة ستعود علي الأمم المتحدة والدنيا كلها بما فيها العراق الحبيب بقدر ما ستملأ السعادة قلوب الملاليين والموالين لهم. ولكن وبعد كل هذه التنازلات، أن تصرّ الحكومة العراقية علي نقل الأشرفيين دون أن تعاين البعثة الأممية لمساعدة العراق ( يونامي ) المخيم الجديد، وكذلك تمنع وصول محامين ومهندسين أشرفيين من هذه المعاينة ليتأكدوا من توفر أدني ضروريات الحياة الكريمة، وسبل الحماية لأرواحهم، ودونما توفير الضمانات الكافية لنقل ما يمكن نقله من ممتلكاتهم، كالسيارات، والممتلكات الخاصة وأدوات المعيشة، فلا يعني هذا إلا أن في الأمر مخطط لسجن هؤلاء أو اعتقالهم بأسلوب تم الاتفاق عليه مع السجان ( الملاليون )، والجريمة الأكبر آنذاك أن الاعتقال لهؤلاء اللاجئين العزل سيكون تحت غطاء أممي.
إن لدينا من صور المكاتبات المتبادلة بين السلطة العراقية والملاليين بالمجلس الوطني الإيراني ما يؤكد علي أن مواصفات هذا المخيم المسمي بــ ( مخيم الحرية ) وما هو من الحرية في شئ، سيكون بمثابة معتقل كبير لثلاثة آلاف وربعمائة معارضا إيرانيا، حيث ستحاصره الشرطة العراقية من داخل جدرانه ومن خلفها، والتي هي أي الجدران عبارة عن حوائط خرسانية جاهزة بارتفاع أربعة أمتار تعجل الرافعات والسيارات ndash;المالكية- ببنائها لإحكام السيطرة علي حركة الأشرفيين، والتمكن من رصدها بدقة، ومنذ أن تسلمت السلطة العراقية مخيم الحرية من القوات الأمريكية في الثالث من ديسمبر من العام الماضي تمكنت من تقليص مساحته من 40 كم مثلما تم الاتفاق عليه مع الأمم المتحدة إلي كيلو مترا واحدا..! كما عطّلت المرافق الصحية والحمامات بما يبيت معه استحالة العيش بكرامة وأمان. وأما عن المسكن فلم يعد من البنايات غير - كرافانات ndash; بالية!

أليست هذه مهزلة ؟! أليست هذه جريمة تشارك فيها الأمم المتحدة وهيئاتها الإنسانية؟! أليست هذه فضيحة تطول كل البرلمانات العالمية والمنظمات الحقوقية؟!

أنا أفهم أن المالكي يفعل ما يفعل لأجل مصالحه، وحماية كرسي حكمه للعراق؟! لكن الذي يصعب علي فهمه هو موقف الأمم المتحدة.

إنني ككاتب صحافي وباحث أكاديمي ورئيس جمعية أهلية تعنى بالإنسان، وكإنسان قبل كل هذا أعلي صوتي حتي عنان السماء بالرفض التام لهذه الممارسات غير المسئولة من قبل الأمم المتحدة، محذرا السيد كوبلر بصفته ممثلا للأمين العام للأم المتحدة بالعراق، من كوننا لن ننس له جريمته ومخالفاته القانونية في حق سكان أشرف، بالنقل القسري، والخنوع لمطالب السلطة العراقية دونما نظر لأدني حقوق للأشرفيين. فضلا عن كل المخالفات الإنسانية التي سبق ذكرها، لن ننس له هذه المخالفات أبدا إذا ما قبل باستمرار هذه المهزلة، ورفض الضغط علي السلطة العراقية من أجل السماح للبعثة الأممية من معاينة المخيم وبرفقتهم مهندسي ومحاميي أشرف للوقوف علي صلاحية المخيم لاحتضان هذه الأرواح من عدمه.

ويبقي سؤالي الأخير.. لماذا كل هذه الخدمات المجانية لملالي إيران؟ ولم كل هذا الصبر علي ممارساتهم غير المسؤولة؟

صحافي وباحث مصري