في الاحداث التي اندلعت في محافظة دهوك، وشملت مركز المحافظة ومدينة زاخو وقرية شيوز (سيجي) وسميل (المنصورية)، والتي ترتب عنها احراق العديد من محلات بيع المشروبات الكحولية وصالونات المساج والاعتداء على كنأس وافراد،وما تبعها من استغلا البعض لهذه الاحداث لينتقم سياسيا من الاتحاد الاسلامي الكوردستاني (يككرتو) فقام بحرق مقرات للاتحاد المذكور.

امر الاستاذ مسعود بارازاني رئيس اقليم كوردستان، بتشكيل لجنة تحقيق، لتحقق في الاحداث ومسبباتها. الا انه يؤسفنا القول ان اللجنة المذكور لم تخرج عن اطار الوصف ليس الا، كما قال الاستاذ عمانوئيل خوشابا الامين العام للحزب الوطني الاشوري. ويمكننا القول ان المادة الهزيلة التي نشرتها اللجنة كانت صدمة لكل قوى شعبنا (الكلداني السرياني الاشوري)، ولكل من يريد نتائج حقيقية يستند عليها لكي يتم وضع اليات للبناء الصحيح وتحديد الاخطاء.

فاللجنة بعد ان ركزت على تحركاتها ووصف تنقلاتها من منطقة الى اخرى لتبين الجهد الذي بذلته. ولكن الظاهر ان الجهد والتعب الذي تحاول لجنة التحقيق ان تقنعنا بانها بذلته ا لم يتمخض عن الا عن وضع اللوم على بعض المواقع الالكترونية والقنوات الاعلامية وبعض الاشخاص من الاتحاد الاسلامي الكوردستاني. ووضع اللوم ايضا على تقصير اداري وامني، والحمد الله بشرتنا اللجنة بعدم وجود خسائر بشرية سوى اصابات لحقت ببعض منتسبي القوى الامنية والمواطنين والتاثير النفسي على المواطنين. ولعل اهم شئ في التقرير هو عبارة التاثير النفسي. وتوجه اللجنة الى وجوب اصدار قرار من المحاكم بشأن الشكاوى والقانون هو السائد، واخيرا على اي شخص لديه شكوى او معلومات ابلاغ المحاكم بها.

اللجنة لم تركز على من حرض الناس، علما ان التحريض حاصل ومعلن ومتكرر. ندرك ونقدر مسؤولية رجال الدين في دعوة اتباعهم للابتعاد عن كل ما يعتبر غير سليم او محرم او يؤدي الى الخطيئة وتحمل ذنوب كثيرة. ولكن لماذا التحريض على تدمير وحرق وتخريب، من منح الصلاحية لاي رجل دين لكي يقوم بهذا العمل المشين؟ اليس ذلك تجاوزا على سلطة الدولة وسلطة القانون؟ ولو استمرينا في هذا المنوال الا نقول وبشكل صريح ان كل انسان له الحق لكي ياخذ حقه بنفسه، ليس حقه وانما ما يراه حقا. وبالتالي ان الدعوة الى قيام دولة القانون والعدالة والمساواة هي دعوة كاذبة ويدعم كذبها السماح بالتحريض ضد الناس وممتلكاتهم وممارساتهم رغم قانونيتها. هل درست اللجنة الموقرة النتائج المترتبة على مثل هذه الدعوات، على التلاحم الشعبي وعلى الاستقرار الاقتصادي والسياسي؟ بالطبع كلا والدليل هو تقرير اللجنة الهزيل. وكان واجبها هو فقط ذر الرماد في العيون والقول ان الحكومة قامت بواجبها وشكلت لجنة تحقيقية. ان مثل هذه المعالجات التي تترك الامور للمستقبل، تنتج كوارث لا يمكن السيطرة عليها، فبلاضافة الى ان مطلقي دعوات التحريض سوف يتقوي موقعهم ويكون لقولهم تاثير شعبي اكبر. فان الخطر الاكبر قد يكون المستقبل الغامض وعدم استقرار وهجرة من يعتقد انه لم يعد له امان في بلده. وباخلاء البلد من مكوناته ستجعل البلد خاليا من التنوع الثقافي والاجتماعي، بما يجعل المجتمع فقيرا وقاحلا وغير قابل للتغيير والتطور. فاللجنة التحقيقية لم توجه اي نقد لخطيب المسجد او حتى التنويه بذلك. وهذا يعني عدم الرغبة في المعالجة، او يعني الخوف من الاقتراب من محضورات معينة. ان الاقليم قدم تنازلات كثيرة للاسلاميين، فبعد ان كان المامؤل ان يتحول اقليم الى واحة للحرية ليس في العراق فقط، بل في المنطقة ايضا. نرى التنازلات المتتالية للتيارات الاسلامية، من خلال الكثير من الممارسات ومنها على سبيل المثال وليس التحديد تجريم الفطور العلني في شهر رمضان، علما انه مخالف لحقوق الانسان الذي يتشدق البعض بالايمان به. هل اوصت اللجنة بادخال الائمة الى دورات تدريبية لكي لا يحرضواالناس على التدمير، بل على البناء والانفتاح والتسامح، لا لم تفعل ذلك.ليس هذا بل ان اللجنة لم توجه نقدا للحكومة، التي تركت المجتمع سائبا دون توجيه وتقييم، حيث زيادة السكان المفرطة وبالتالي زيادة الاعباء المالية على الاقليم وعلى العوائل، ولان المجتمع صار بغالبيته اسيرا لرجال الدين الذين يفتون بتحريم تنظيم الاسرة. ان اجتماع الفقر وضحالة التعليم وعدم ارشاد الناس الى حقوقهم وواجباتهم، خلق جيل ياس مستعد لعمل كل شئ لانه لا يجد نفسه في اللحظة الراهنة. الحكومات التي تعتقد بانها تملك القوة لكي تسيطر على الوضع، تضع نفسها في مواجهة الشعب الذي يتطور خارج ما تخطط له. وهكذا فالشباب الذي احرق ودمر واعتدى لم يأتي لحظة التحريض، بل ولد من الازمات المتتالية، ومنها الفقر والتعليم الغير المتوافق مع التعددية السياسية والثقافية والقومية والدينية لمجتمع اقليم كوردستان.

اللجنة لم توصي بمراجعة العملية التعليمية، والتي يجب ان تشدد على المساواة والعدالة وحق الناس في اراهم وممارساتهم ما لم تؤدي هذه الممارسات الى حد من ممارسة الاخرين لحريتهم. اللجنة لم توصي بضرورة ان تتضمن مناهج التعليم دور وحقوق مكونات مجتمع الاقليم وضرورة احترامها.

اللجنة لم توصي بوضع ضوابط، لعدم تكرار هذه الحالة، لان واقع المنطقة كله ينبئ بامكانية تكرارها بين الحين والاخر، والامر لا يحتاج الى محرض مثل الذي حرض ضد نادي للمساج. والذي تم تبرئته من كل تهمة رغم انه اقر بانه حرض ضد صالون للمساج بالقرب من المسجد.

كل الدول المستقرة، تعتمد في استقرارها على قاعدة اجتماعية واسعة تحمل فكر منقتح وهي الطبقة الوسطى، ولكن الملاحظ ان العراق وحتى اقليم كوردستان ورغم حالة الشبه المستقلة، لم يتمكنوا من خلق هذه الطبقة الوسطى. لان الظاهر ان الحكومة الاتحادية او في الاقليم، اهتموا فقط بطبقة من المنتفعين لدعم استمرا سلطاتهم، وليس لاستمرار بلدهم او منطقتهم. فطبقة رؤساء العشائر هي طبقة محافظة بطبعها، وتريد استمرار سلطتها وهذا محال لو تطور الشعب وتعلم وتثقف، ولذا هناك التقاء مصالح بين الاحزاب وهذه الطبقة، لكي يحفظ كل طرف مصالح الطرف الاخر، من خلال القيام بالدور المطلوب منه، العشار تدعم السلطة، والسلطة تترك الناس لكي يتحكم بها زعماء العشائر ورجال الدين. ومن يخرج من هذه المعادلة، صار يلتحق بالاسلاميين لانهم الاكثر راديكالية وبالتالي الاكثر استهواء لعمر وتفكير الشباب.

لكي ينبني الاقليم بروح التسامح والرغبة في التقدم والتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، فعلى الجميع تحمل مسؤولياته، ولكن بالطبع للحكومة اولية في هذا الامر. وصار من الواضح ان هناك شرخ يكبر رويدا رويدا، بين السلطة والشعب. وهذا الشرخ لا يمكن معالجته بالتنازلات لمن سيكون كارثة على المنطة، وهي القوى الدينية المتشددة. بل بتهيئة المجتمع لتقبل التطورات السياسية والديمقراطية السياسية والثقافية والحريات الفردية، لانه اساس خلق انسان واثق من نفسه وقادر على اتخاذ القرار. ويجب ان تعي النخب كافة ان حقوق الاقليات القومية والدينية في الاقليم يجب ان تكون خطا احمر، وليس من حق اي طرف ان يسلبها، بحجة الاكثرية والديمقراطية التي تمنح لهم ممثلين اكثر من غيرهم. فهنا حق انساني طبيعي لا يعتمد على العدد والممثلين في البرلمان. بل حق يولود مع ولادة الفرد. ان ما خرجت به هذه اللجنة التحقيقية من وصف، يجب ان يدعوا كل النخب للانخراط في نقاش عام لمناقشة المسألة من جانب حقوق الانسان وحقوق الشعوب المتعددة الاقوام والاديان. ويجب ان يكون هذا النقاش مبنيا على الرغبة في زرع القيم الحديثة وليس التحدث بلغة الوعاظ والتسامح والتاريخ الطويل من العيش المشترك وغيرها من العبارات التي نبقى نرددها كببغاوات ولا نؤمن بها، لا بل ان التاريخ القريب والبعيد يكذبها.

[email protected]