الحديث عن الهوية بضم الهاء،هو البحث في الانساق التي تحرك مجموعة بشرية تشترك في اللغة والعادات والتقاليد،لتؤسس لنفسها نسقا في العيش يختلف عن بقية الانساق والهويات الاخرى، والخصوصية التي تشكل هويتهم هي امتياز كثير من الشعوب التي تقترب من التنوع،ولكن الصراع الذي ينشط بين هذه الهويات بسبب جملة من المصالح لن تؤدي الا الى المزيد من الحروب الاهلية وخرق التعايش السلمي، لان القانون العام الذي يحكم هذا التنوع تم خرقه بسبب عدم احترام خصوصيات الهويات الصغيرة والمتفرعة او بسبب سيطرة القوانين الثانية على سلطة القانون الاول، فجاءت عدم القناعة بين هذه الهويات المتعددة، ونحن نرى من خلال جملة من التقارير الاخيرة التي تؤكد رغبة الدول الكبرى الى منح الاقليات الثقافية دورها في التمثيل،بعد غياب تم التأكيد عليه من قبل الدول القومية،ومع كل هذا بقيت تبعات الدولة القومية تلاحق الناس مع كل المتغيرات التي طرات على الساحة العربية والعراقية تحديدا، اذ ما تزال الاقليات تتحرك باطار المازوم،ونحن في هذا الزمن بنا حاجة الى عقل سياسي يعيد تربية الاجيال على اساس التعايش السلمي وقبول الاخر.
قبل اسابيع معدودة،خرجت فجرا مع اهلي الى محافظات العراق الشمالية ( يتحفظ الاكراد على كلمة شمال العراق،حينما اشارت اليّ الشاعرة الكردية ارخوان في مهرجان الجواهري الاول الى عدم قبولها قولي شمال العراق،بحجة انها تدل على شوفينية ورغبة باحتواء الاخر الذي يرفض ذلك)،كنت اسير في طريق كركوك/ بغداد (سايد واحد) الذي يذهب بسببه يوميا كثير من العراقيين للاحداث المرورية، وانت تتسال، من هو المسؤول عن هذا الطريق الذي اكل من العراقيين ما لا يستوعب،الحكومة المركزية ام الاقاليم،اليس من باب المسؤولية الوقوف بحزم اتجاه المحافظات المقصرة في تعبيد وانشاء السايد الثاني ومحاسبة من ابتعد عن الاهتمام به، تجاوزنا طريق الموت باعجوبة،دخلنا السليمانية،ثم انتقلنا الى اربيل التي عشنا فيها ايام عدة،منتقلين من شلال الى مصيف، ومن سوق الى مول، ونحن نقول مع انفسنا،نفط البصرة لازدهار الشمال،فيما الجنوب يغرق في وحل الفساد واللامسؤولية والخراب الروحي والثقافي، الغريب من كل هذا، قررنا الذهاب ليلا الى ماجدي مول، تجولنا فيه ونحن نرى العدد الكبير من السياح العراقيين،وهم يبتسمون ويتطلعون الى الانجازات التي يقدمها الاقليم،كنا نود المغادرة لولا رغبة العائلة العشاء في مطاعم المول،جلسنا في احد المطاعم، وكان ابن اختي جعفر الطفل الذي لا يتجاوز خمس سنوات يركض بفرح،في اروقة المول، ساعتها افتقدته...ورحت ابحث عنه،وقد وجدته في زاوية يبكي، قلت له: ما بك: قال لي :انظر الى ذلك الرسام الذي يخطط على وجوه الاطفال، قلت له نعم، قال: رفض التخطيط على وجهي، ذهبت اليه مستفهما، قال لي الرسام ( تصوروا الرسام) : لا اخطط على وجوه الاطفال العرب.
كانت دمعات جعفر تحفر في قلبي،قلت له: لماذا، قال : (ني عرب)،وهو يرغب بشتمي، وانا اقول له: ان اصدقائي من اساتذة الفن اغلبهم يدرسون هنا ويعلمونكم الدرس التشكيلي، كيف تسمح لنفسك ان تتصرف مع طفل بهذه الطريقة التي تنم عن عدم احترام.
سحبت جعفر من يده وذهبت الى العائلة وهم في ذهول.... لقد تسممت رحلتنا بسبب هذا اللانساني،كنت العن صدام واشتمه،وانا اقول ستبقى سلوكياتك تلاحقنا اينما ذهبنا...وسيبقى ضحاياك يلاحقوننا ويشتموننا.
مشكلة هذا الوطن اننا ضحايا انظمة استبدادية،ولكن السؤال الاهم من كل هذا، ألم يعلم القائمون في شمال العراق على اشكالية هذا الامر،كيف يمكن بناء وطن يتم التعامل مع بعضه بعض بهذه الحدية، وهل يعقل ان مولا بهذا الحجم يتعامل مع زبائنه على هذا النحو،لقد اخذ الحزن مني ماخذه وقلت ان الطفل برئ من كل الاشكاليات السياسية،فلماذا يتعامل المأزومون مع الاطفال على اساس الهوية،رسام يرمي ازمته على وجه طفل برئ...نحتاج الى المزيد من الحب في هذا الوطن يا شرفاء العالم.
- آخر تحديث :
التعليقات