لاشك أن امن الخليج يشكل محور اهتمام السياسة الأمريكية، إيران تدرك هذه الحقيقة جيدا لذا تصول وتجول في الخليج دون رادع فها هي تنهي مناوراتها البحرية بتجارب على صواريخ طويلة ومتوسطة وبعيدة المدى لتقول للولايات المتحدة والغرب أنها قادرة على صد أي هجمات غربية أو إسرائيلية على منشأتها النووية، التصعيد الجديد جاء في تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز في حال فرض الاتحاد الأوربي حظرا على صادراتها النفطية، وهو قرار موضع خلاف بين دول الاتحاد، فاسبانيا وايطاليا واليونان تعتمد بشكل كبير على النفط الخام الإيراني وترغب في منحها وقتا كافيا للبحث عن موردين آخرين قبل تنفيذ الحظر، وتركيا أعلنت أنها غير معنية بفرض الحظر الأمر الذي قد يدفع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوربي في اجتماعهم المقبل في لشبونة في الثالث والعشرين من الشهر الجاري إلى تأجيل قرار حظر استيراد النفط الإيراني لمدة ستة أشهر.

دول الخليج لا ترغب في مواجهة عسكرية بين إيران والغرب لما لذلك من تداعيات على اقتصادياتها من ناحية، وعلى أمنها من ناحية ثانية، ففي حال حدوث المواجهة العسكرية ستتحول دول الخليج ومياهها إلى مسرح للعمليات العسكرية، الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من أجواء التوتر السائدة وأولى مكاسبها هو الإعلان عن بيع صفقة مقاتلات أمريكية أف 15 أس إيه للسعودية، تشمل 84 طائرة بمبلغ ثلاثين مليار دولار، كذلك باعت الولايات المتحدة للإمارات أحدث الأنظمة المتطورة لاعتراض الصواريخ، في صفقة بلغت قيمتها3.5 مليار دولار لتصبح الإمارات أول دولة تحصل علي هذا النظام المصمم للتعامل مع الصواريخ ذاتية الدفع قصيرة ومتوسطة المدي داخل وخارج الغلاف الجوي، كذلك اشترت الكويت صفقة من صواريخ باتريوت من الولايات المتحدة بقيمة 900 مليون دولار، الأمر الذي يؤكد أن التوتر الحالي ليس فقط بسبب البرنامج النووي الإيراني إنما يحمل في طياته دوافع اقتصادية.

دول الخليج تحرص دائما على علاقات حسن الجوار مع إيران، وعلى الرغم من أن إيران تحتل جزرا إماراتية هي quot;طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسىquot; منذ عام 1971، فإن الإمارات تطالب بالتحكيم الدولي، وحل المشكلة بالطرق السلمية انطلاقا من سياسة حسن الجوار، وفي حديثه لشبكة CNN الأمريكية بمناسبة العيد الوطني الأربعين لدولة الإمارات قال الشيح quot;محمد بن راشدquot; نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في رده على سؤال حول إيران:quot; إن إيران دولة جارة لنا نعيش جنبا إلى جنب منذ ألاف السنين ولا اعتقد إنهم يسعون للحصول على سلاح نوويquot;.

الإمارات كباقي دول الخليج حريصة على علاقتها بإيران، فطهران هي ثاني اكبر شريك تجاري لدبي، وحجم التبادل التجاري بينهما نحو احد عشر مليار دولار ومع ذلك تلتزم الإمارات بتطبيق القرارات الدولية الخاصة بفرض عقوبات اقتصادية على إيران على الرغم من تأثير هذه العقوبات عليها وعلى دول أخرى مثل قطر وسلطنة عمان.

قرار تعليق التبادل التجاري بين الإمارات وإيران مثلا يلحق بالغ الضرر لآلاف التجار من الجانبين، ويؤثر أيضا علي حجم التجارة الخارجية للإمارات، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك جالية إيرانية كبيرة تعيش في الإمارات، يصل عددها إلى حوالي 400 ألف غالبيتهم من التجار ورجال الأعمال الذين يعملون في الاستيراد والتصدير ويمتلكون شركات ومطاعم في معظم أمارات الدولة خاصة في دبي، وأبوظبي، ولم تقف الإمارات موقف المتفرج من تهديدات طهران بإغلاق مضيق هرمز فقد سبق وفكرت منذ فترة طويلة في أن هذا الاحتمال وارد، ففكرت في طريق بديل وأنشئت خط أنابيب للبترول يمتد من منطقة حبشان في أبو ظبي إلى شواطئ ميناء الفجيرة بطول 480 كيلو مترا وبطاقة تصل إلى نحو 3 ملايين برميل يوميا ينقل النفط الإماراتي إلى بحر العرب مباشرة دون الحاجة إلى عبور مضيق هرمز الذي يربط الخليج ببحر العرب، ويعد ميناء الفجيرة واحدا من اكبر ثلاث محطات لتموين السفن فضلا عن انه ميناء رئيسي لتخزين النفط.

على حكام طهران إذن أن يفهموا جيدا أن من مصلحتهم التعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي بما يحفظ امن واستقرار المنطقة وان أي مغامرة من جانب طهران قد تدفع ثمنها باهظا وستندم في يوم لا ينفع فيه الندم.
فؤاد التوني
إعلامي مصري