بعد أسابيع من الحديث عن إمكانية فتح صفحة جديدة بين حماس والقيادة الأردنية، يبدو أن ثمة عقبات كثيرة تعترض ذلك. وهي عقبات تتجاوز الرغبة الثنائية لدى الطرفين إلى ما يمكن تسميته بتحقيق شروط أميركية مطلوبة لبدء مثل هذه الصفحة أو العلاقة.

هذا الاستنتاج أكده ما أعلنته مصادر أردنية من أن السفير الأميركي في عمان دخل بقوة على خط العلاقة الجديدة بين الطرفين، وهو من أخر اللقاء الذي كان مقررا مع مشعل إلى ما بعد لقاء الملك عبد الله الثاني مع الرئيس باراك أوباما في واشنطن في الأيام المقبلة.

هذا التأجيل المتكرر لموعد الزيارة إضافة إلى تصريحات رئيس الوزراء الأردني عون الخصاونة التي اشترط فيها عودة قادة حماس إلى الأردن بعدم ممارسة أي نشاط سياسي، استدعى تصريحات مضادة من حماس رفضت فيها شروط الأردن، ووضعتها في سياق الضغوط الأميركية والإسرائيلية.

في أي سياق يمكن أن نضع الشروط الأردنية الجديدة ؟ وكيف يمكن أن نقرأ أيضا تصريحات حماس التي نرى فيها تهديدا مبطنا للقيادة الأردنية ؟
وفي محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، لا بد أن نرصد أولا المتغيرات الإقليمية والدولية منذ اعتذار رئيس الوزراء الأردني بشأن طرد قادة حركة حماس، إلى الشروط التي وضعها لعودة هؤلاء القادة. ويمكن أن نجمل هذه المتغيرات بثلاثة:
1-رعاية الأردن لعملية السلام، وهي رعاية تظهر المعطيات أنها جاءت بإيعاز أميركي. تهدف إلى إعطاء الأردن دورا إقليميا في هذا المجال في ظل انشغال مصر ما بعد مبارك بترتيب أوراقها الداخلية على الرغم من نجاح دور مصر في ترتيب صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس.

2- محاولة احتواء حماس وفقا للظروف الجديدة في المنطقة، وتحديدا لمرحلة ما بعد النظام السوري الذي احتضن حركة حماس طويلا، ويبدو ان ثمة رهانات أمريكية وأخرى إقليمية على ان حماس بفقدها النظام السوري الآيل للانهيار ستنخرط في عملية السلام. ولعل الجدل بشأن خروج قيادات حماس أو بقاءها في سورية يعكس النقاش الجاري بهذا الخصوص.

3- شكلت زيارة الملك عبد الله إلى رام الله الشهر الماضي، وحجز الحكومة الأردنية أموال عدد من قيادات فتح في الأردن بطلب من السلطة، وفي مقدمهم محمد دحلان الذي كان يحظى بعلاقة جيدة مع القيادة الأردنية، شكل مؤشرا إلى عودة الدفء في العلاقة مع السلطة الفلسطينية. كما أن رعاية الأردن للمفاوضات بين صائب عريقات واسحاق مولخو بحضور الرباعية الدولية.. كل ذلك يشكل مؤشرات أيضا إلى عمق الانخراط الأردني في ترتيب المشهد الفلسطيني.

إن الأردن يريد حماس ورقة أو سندا في معركته ضد الطرح الإسرائيلي بخصوص الوطن البديل وكذلك في مواجهة الصعود الإسلامي في الداخل. وكلها حسابات مهمة تجعل من الأردن حريصا على فتح صفحة جديدة مع حماس، فيما الأخرى تتعامل مع هذه الصفحة أيضا بمنطق الحسابات والمصالح.

وعليه فان تأخر اللقاء الذي كان مقررا بين مشعل والملك عبد الله يعكس الجدل بشأن هذه المصالح والأدوار التي ستترتب عليها، فضلا عن ما يشبه الموافقة الأمريكية على كيفية دمج حماس في الترتيبات الإقليمية الجديدة الجارية، وإلى حدوث مثل هذا اللقاء فان الجدل سيستمر بين الطرفين على قاعدة تعزيز كل طرف لموقعه.

*كاتب ومحلل سياسي