مظاهر التوتر و الاحتقان التي بدأت تعود من جديد لتلقي بظلالها الکئيبة على قضية معسکر أشرف، آخذة في الإضطراد خصوصا وان السياسة التي يتبعها رئيس الوزراء العراقي نوري المالکي ضد سکان معسکر أشرف تتسم بشدة و تزمت إستثنائيين.

المالکي الذي تکاد حکومته أن تکون سفينة متهلهلة و مثقوبة من عدة جوانب، يريد أن يبحر في يم هائج أمواجه کالجبال، إذ ان الظروف الامنية و السياسية في العراق قد وصلت الى مفترق حساس يمکن وصفه الى حد ما بالمصيري، ولاريب من الامور في العراق قد آلت الى هذا المفترق بسبب مباشر من السياسات غير الوطنية و حتى المنطقية التي يتبعها المالکي ازاء مختلف القوى و الاتجاهات السياسية العراقية و بالاخص تلك التي لاتماشيه او تسايره في سياساته غير المسؤولة، ولعل عودته الى سياسة الحض و التحريض و التشديد على سکان أشرف، يمکن أن نسميه جزءا اساسيا و مهما من تلك السياسات التي لايبدو انه قد خططت لها عقول سياسية عراقية بقدر ما تبدو عليها ملامح و مظاهر الاملاء القسري.

إختلاق و إفتعال صراع جانبي غير مجدي ضد سکان أشرف و السعي لغلق المعسکر و القضاء على سکانه، الهدف النهائي المطلوب من نوري المالکي، ويرى البعض من المراقبين أنه قد إقترف خطئا فاحشا عندما حمل على کاهله عبأ مواجهة سکان أشرف و تصفية قضيتهم وان تصرفه هذا أثبت أنه سياسي لايتسم ببعد النظر و لايفکر في الآفاق المستقبلية و التداعيات و النتائج التي قد تترتب على تکفله بإنجاز هکذا مهمةquot;غير وطنيةquot;ويشم الجميع منها من دون إستثناء رائحة التبعية المفرطة للنظام الايراني خصوصا وان المالکي الذي تمادى في مهمته أکثر من اللازم و نسى او تناسى انه رئيس وزراء لدولة ذات سيادة و يمثل شعبا، قد سمح لنفسه أن يظهر بمظهر مجرد منفذ حرفي لطلبات و اوامر صادرة من طهران و مخطأ من يظن بأن الامر قد مر او يمر مرور الکرام على العراقيين و القوى السياسية الوطنية و کذلك على بلدان المنطقة و المجتمع الدولي، حيث أن العزلة السياسية التي يعيشها المالکي حاليا على الأصعدة الداخلية و الاقليمية و الدولية، أمر يمکن تعليله و ربطه بتبعيته غير العادية للنظام الديني المتطرف في طهران.

ليس المهم على القائد السياسي او العسکري مجرد الاندفاع للأمام من دون التفکير او التمعن في تداعيات و نتائج الاندفاعات السابقة، حيث أن هکذا إندفاع يکون أشبه بمغامرة او مجازفة غير مسؤولة بأرواح و مقدرات الآخرين مثلما هي قبل ذلك بمثابة إقدام ذلك القائد السياسي او العسکري على مخاطرة و مجازفة باسمه و روحه و کل إعتباراته في سبيل بلوغ هدف او أهداف عن طريق السعي عبر سبيل او سبل غير مأمونة العواقب، وبديهي أن هذا هو دائما حال کل من لايقرأ التأريخ و يأخذ العبر و الدروس الکافية و اللازمة منه، إذ حري بالمالکي أن يعود بذهنه قليلا الى الخلف ليدرس و يبحث في حصيلة کل حملاته و غزواته ضد سکان أشرف و قضيتهم العادلة و ينظر في النتائج النهائية لها، وقطعا لن يکون رئيس الوزراء العراقي صادقا مع نفسه لو زعم انه قد حقق نصرا او تقدما على أناس لاجئين في بلده بقدر ماساهم و ساعد من خلال سياسات الضغط و الاکراه و العنف و القتل و الابادة بتدويل قضيتهم و منحها بعدا عالميا و حظوا أيضا بتعاطف دولي و إنساني غير مسبوق مع تفهم ملفت للنظر لقضيتهم، في مقابل ذلك، فإن حصاد نوري المالکي و من حوله لم يکن سوى إصدار مذکرات قضائية ضده من قبل محاکم اوربية بالاضافة الى بروزه رويدا رويدا على الصعيدين الاقليمي و الدولي کشخصية سياسية غير مرغوب او مرحب بها و تزايد التکهنات و التحليلات و التوقعات من لدن مختلف الاوساط السياسية و الاعلامية بشأن إزاحته و طرح بديل له، بل وان ثمة اسماء قد طرحت حقا کبديل له، ناهيك عن التبرم و السخط على مختلف الاصعدة من تبعيته و ذيليته غير المحدودة للنظام الايراني، وفوق کل ذلك، وبعد أن تکفل المالکي بملف أشرف و خاض مواجهة ضدهم منذ عام 2009، تحديدا(وهو عام إنتفاضة الشعب الايراني ضد نظام ولاية الفقيه)، لکن تلك المواجهة أوصلته الى توقيع مذکرة التفاهم مع الامم المتحدة و الخاصة بحل قضية أشرف حلا سلميا، وقطعا أن کل لبيب يفهم جيدا من الذي خسر خائبا من هذه المواجهة و من الواجب عليه أن يعيد النظر في حساباته و في الخط العام للسياسة التي إتبعها بهذا الخصوص لکي يتفادى المزيد من الإنتکاسات و التراجع وان الطريق الوحيد الذي يضمن له هذا الامر متعلق بأن ينأى بجانبه ولو الى حين عن النظام الايراني، لکن هل بإستطاعة المالکي ان يفعل ذلك؟