قبل اربعة شهور كتبت مقالة في ايلاف بعنوان quot;لم أعد ضد التدخل الخارجي في الشأن السوريquot; وكالعادة انهارت تعليقات اعوان وعملاء النظام لتهاجمني على هذا الاقتراح. وقلت ان ازاحة الطغاة واسقاطهم ليس امرا سهلا خاصة اذا كان لدى الطاغية الاستعداد أن يبيد نصف شعبه ليبقى في السلطة. ولولا التدخل الخارجي لبقي صدام حسين وابناؤه داعسين على رقاب الشعبين الكويتي والعراقي حتى اليوم ولولا تدخل الناتو لواصل معمر الغدافي حملته في ارتكاب المجازر في ليبيا.

في التسعينات دعمت الأمم المتحدة تدخل الناتو في البوسنة وكوسوفو لايقاف سلسلة المجازر التي كان يرتكبها طاغية صيربيا صلوبودان موليسيفيتش. وشهدنا تدخلات خارجية في تيمور الشرقية عام 1999 لانقاذ شعب تلك المستعمرة الاندونيسية من المذابح التي كان يتركبها الجيش الاندونيسي بحق الشعب الذي كان يطالب بالاستقلال والانفصال عن دكتاتورية اندونيسيا.. كما تم التدخل الدولي في السنوات الاخيرة في الكونغو وسيراليون وليبيريا لايقاف المذابح. فمسألة التدخل الخارجي ليس امرا غريبا او جديدا.


التدخل الحلال

والآن وبعد استمرار المجازر واستشهاد أكثر من 6500 مواطن سوري لا يزال النظام يكذب ويراوغ ويماطل. ولكن غباء انظام وحماقته هي التي ستجلب التدخل الأجنبي. هناك من يعتقد ان التدخل الخارجي قد بدأ. ألا تتدخل روسيا والصين في الشأن الروسي بتقديم الحماية في مجلس الأمن.؟ الا تتدخل روسيا بالملف السوري بتزويد النظام بأسلحة وذخيرة لقتل المزيد من السوريين. الا تتدخل ايران وحزب الله لدعم النظام وتمديد أمد بقاءه في السلطة. ألا تتدخل العراق بأوامر ايرانية في الشأن السوري بتقديم المال والسلاح؟ وحتى اسرائيل تتدخل بعرقلة التدخل الدولي لأنها ترفض اسقاط النظام واستبداله بنظام جديد قد يزعج اسرائيل ويطالب بالجولان؟. أما التدخل الدولي لتأسيس مناطق آمنة وحماية المدنيين وفرض حظر جوي فهو تدخل حرام حسب رواية نظام المجازر.

أكذوبة قلب العروبة النابض الممانع المقاوم
بالنسبة لسوريا قلعة الصمود والممانعة والمقاومة التي لا تزال تحظى بدعم واعجاب الساذجين الذين صدقوا هذه الأكذوبة الكبرى،اريد ان اسأل هل رفع هذه الشعارات الجوفاء يبرر قتل المتظاهرين الرافضين لنظام بشار وعصابته.؟ واكتشف الشارع العربي ان شعارات النظام هي مجرد غطاء للجرائم والمجازر ولم يعد يصدقها الا البسطاء والساذجين..
فقد كنت من الرافضين للاستقواء بالأجنبي والتدخل الخارجي في الشأن السوري ومنذ عام 2004 كنت اكرر في لقاءات تلفزيونية ومقالات كنت اكتبها وبرامج كنت اقدمها الرفض الكامل للتدخل العسكري الخارجي لتغيير النظام. وكنا نطالب بالاصلاح والتغيير السلمي والتدريجي وهذا كان رأيي وكنت مصر عليه حتى الشهور الأخيرة. وقلت في العديد من المقالات في ايلاف منذ اندلاع الثورة الشعبية ان قمع النظام للشعب السوري الرافض لحكم بشار الأسد باستخدام وسائل عسكرية وامنية وانتهاك حقوق الانسان سيجلب انتباه المنظمات الدولية والتي بدورها ستضغط على الدول العظمى من اجل التدخل لحماية الشعب السوري من آلة البطش العسكرية. وكم رددنا وقلنا باستمرار quot;لا نريد ان يتكرر سينياريو العراق في سورياquot;.

ولكن النظام السوري الجاهل المتعطش لدماء الشعب يستفز ويستدرج المواجهة المسلحة لتبريره حملة الابادة ضد الشعب الذي يطالب بالحرية والديمقراطية من هذا النظام الدكتاتوري الذي حكم سوريا بالحديد والنار طيلة اربعة عقود ونيف. وهذا السلوك الوحشي الذي استخدمه النظام الصدامي ضد الشعب العراقي ومعمر الغدافي ضد الشعب الليبي جلب التدخل الاجنبي في النهاية ومن هذا المنطلق فان النظام ذاته هو المسؤول عن أي تدخل خارجي.

نظام الغباء والحماقات
ولكن غباء النظام وضيق افقه وجهله بالتغييرات الجيوسياسية في المنطقة أفقده القدرة على التفكير الواضح والاصلاح الحقيقي. وقرر ان يكرر اخطاء الثمانينات ويواصل القتل والتعذيب وتشويه جثث الضحايا من اطفال وفتيات. عصابة دمشق التي تسيطر على الجيش والآلة العسكرية هي المسؤولة عن عسكرة العملية الاحتجاجية وتحويل المظاهرات السلمية الى مواجهات دموية. وباستخدام الطائرات والدبابات والقصف البحري لتجمعات سكانية والتي لم تستعمل لتحرير شبر مربع واحد من الجولان المحتل فان النظام اوقع نفسه في حفرة لا يستطيع الخروج منها. وقال سوريون على الفضائيات العربية ان الجيش السوري ليس للدفاع عن الوطن او تحرير الأرض فهو عاجز عن ذلك بل لقمع الشعب السوري والدفاع عن عصابة الجبناء التي تحكم سوريا بقوة السلاح. ويمكن اختصار موقف بشار الأسد بالجملة التالية: quot;انا احكمكم بالقوة وعليكم ان تقبلوا والا سأقتلكمquot;

التواطؤ العربي والاقليمي منح النظام فرصة كافية لمواصلة حرب الابادة وقمع الاحتجاجات ولكن الشعب السوري بقي صامدا واعلن رفضه لهذا النظام. لا شك ان الجامعة العربية العاجزة ستواصل مسرحية المراقبين رغم ان سوريا رفضت البروتوكولات والشروط ولا تزال تقتل وتعتقل وتطلق سراح مجرمين عاديين.

من الخطأ التعويل على الموقف الروسي
وفي لقاء على هامش ندوة تتعلق بالملف السوري مؤخرا قال لي مسؤول يمثل دولة كبرى فاعلة quot;اذا استمرت المجازر قد يتم اتخاذ خطوات دولية خارج اطار مجلس الأمن لتحييد سوريا والصين من المعادلة للاسراع في اسقاط النظام. نصيحتي لبشار الأسد هو تقديم الاستقالة مع الاعتذار للشعب السوري والخروج من سوريا حيث سيجد اللجؤ في روسيا او اوكرانيا او البرازيل او جنوب افريقيا.quot; لا يستطيع العالم الوقوف مكتوف الأيدي امام حرب ابادة ضد الشعب السوري. حين ذلك سيكتشف اغبياء دمشق ان دعم روسيا والصين وبعض الزعران الاقليميين لا قيمة له.


اعلامي عربي - لندن