مع تطور الأحداث الدموية في اليمن ووصول محطة الثورة الشعبية الشاملة لمرحلة الحسم مع إندحار الدكتاتورية العائلية العشائرية وإنحسارها التدريجي عن مسرح الدراما اليمنية الزاعقة، تبدو الثورة الشعبية في جنوب اليمن سواءا من خلال الحراك الجنوبي السلمي أو بقية الحركات السياسية و الشبابية الأخرى في حالة إشتعال و تواصل مع مطالب جماهير جنوب اليمن ولكن في ظل صمت دولي وإقليمي مريب حول مستقبل الجنوب اليمني الذي تحول للأسف في وسائل الإعلام الدولية لملاذ آمن للجماعات الأصولية المسلحة كالقاعدة و أخواتها بسبب سياسة التهميش و التجهيل و الخبث التي إتبعتها سلطات إحتلال علي عبد الله صالح الذي فرض القهر و الموت على شعب جنوب اليمن الذي بقرار قيادته السابقة بالمضي قدما في طريق تحقيق الوحدة اليمنية الشاملة كان يتصور بأن ذلك سيكون مدخلا للتنمية و الإستقرار و بناء الدولة على أسس عادلة وعصرية قبل أن يكتشف الخديعة الكبرى وكيف تحولت الوحدة لإحتلال إستيطاني فئوي غاشم توج بالدم و الفناء و التدمير في حرب صيف عام 1994 التي رسمت جدران الدم و أجهضت الوحدة اليمنية بمفهومها الحضاري بالكامل و تحولت بعدها قضية شعب جنوب اليمن لواحدة من أشد و أعمق قضايا الشعوب المضطهدة و المنكوبة، لقد كان لنا شرف متابعة و تسليط الضوء على قضية شعب جنوب اليمن قبل الإنتقاضة الثورية الشعبية اليمنية الأخيرة و تحملنا ما تحملنا من إتهامات ظالمة بإثارة ما أسموه بقضايا الإنفصال و التفكيك و لكن الديكتاتورية أساسا هي مشروع تفكيكي و الحالة الحضارية المتميزة لشعب جنوب اليمن المعروف بالأمانة و التسامح و البأس النضالي قد حاول النظام الشمولي اليمني المتهاوي تخريبها بالكامل وهو يؤسس لمشروعه الدكتاتوري الذي أراد توريثه للأبناء و الأحفاد و العشيرة الذهبية ولكن يقظة و صمود و نضال شعب الجنوب اليمني بقيادة زعاماته التاريخية القائدة للحراك الشعبي لم تيأس أبدا.

و لم تركع لحالات الإحباط، بل ظلت على العهد تخوض النضال وفي أصعب الظروف التي تبعث على الإحباط و اليأس لإعادة إحياء جمهورية جنوب اليمن بشكلها الحضاري و المؤسسي البعيد عن إشكاليات الطائفية و الفئوية و العشائرية الرثة، من حق شعب الجنوب اليمني اليوم المطالبة و العمل الحثيث من أجل إعادة حريته السليبة التي سرقتها أوهام الوحدة المتسرعة وغير المدروسة و التي أنتجت فطائعا دموية مؤسفة و أضاعت التراث النضالي الحافل و المجيد لشعب جنوب اليمن المصر إصرارا لا يعرف الهوادة على إنجاز مهمة الإحياء الوطني و المشاركة الفاعلة و الحقيقية في بناء اليمن الحضاري الجديد و على أسس حضارية مختلفة عن كل ممارسات ورؤى الماضي، فالتجربة الصعبة السابقة قد صقلت الإرادة النضالية للجنوب اليمني صاحب التراث الحافل بالمقاومة و المجد و البناء، وشعب جنوب اليمن يرفض التحول لمستوطنة ظلامية أو طائفية جديدة فهو أعلى قدرا و أسمى مقاما من أن يتخلف عن مهمته الحضارية، اليوم يمارس بقايا نظام علي عبد الله صالح الكسيح إرهابا دمويا واسع النطاق لكسر إرادة الجنوب اليمني من خلال إكتساح قطعانه لإنتفاضة ساحة الحرية في خور مكسر في عدن، وهو إرهاب سيتلاشى و يتضاءل إمام الإرادة و الإصرار النضالي لشعب الجنوب الذي لا يعمل اليوم إلا لتحقيق الإنبعاث الوطني الشامل من المهرة شرقا و حتى جزيرة ميون غربا، وإعادة إحياء جمهورية جنوب اليمن بات بمثابة خيار ستراتيجي لشعب الجنوب لا تراجع عنه و لا نكوص عن حتميته، لقد إنبثق فجر الحرية اليمنية الشاملة التي كان لشعب الجنوب شرف تفجيرها و إشعال الأرض من تحت أقدام الطغاة، ومسيرة و تضحيات آلاف شهداء الجنوب لا يمكن أن تتوقف عند محطة النكوص، التجاهل الدولي مريع، و التواطؤ مروع، ولكن عزيمة الشعوب الحرة لا تعرف الكلل و لا الملل، فمرحى بشعب الجنوب العربي وهو يطرز بدمائه العبيطة و المقدسة عقد حريته الجديد و يرسم راية الإستقلال الوطني الناجز... جمهورية جنوب اليمن الجديدة على أبواب فجر الحرية اليمني..

تلك هي الحقيقة الخالدة.


[email protected]