إن النقاش السائد في المغرب، اليوم، هام للغاية باعتباره منعشا للاهتمام بالشأن العام، ويجعل المواطنين بمختلف شرائحهم، وبشتى أعمارهم ينخرطون بشكل أو بآخر في هذا النقاش، كل حسب استيعابه للشأن السياسي، وحسب ما سمحت به قريحته ومستواه.

وقد يعود هذا الاهتمام مباشرة إلى الضجة الإعلامية المصاحبة لتشكيل الحكومة الجديدة التي جاءت في ظرف استثنائي بكل المقاييس، سواء وطنيا أو إقليميا، فقد انهارت أنظمة استبدادية أبت الإصلاح وكانت تحلم بالخلود، وعرف المغرب ثورة مؤسساتية ودستورية جعلته نموذجا يحتذى به في الإصلاحات، جاءت موازية لحركة عرفها الشارع المغربي تنادي بمحاربة الفساد وإسقاطه، كما أن الدستور الجديد واكتساح العدالة والتنمية لانتخابات مجلس النواب، كل ذلك جعل المواطنين يهتمون بالشأن السياسي ويترقبون نتائج ملموسة تمس واقعهم اليومي المعيش.

وإذا كانت هذه quot;النهضةquot; السياسية التي عرفها المجتمع المغربي بمختلف أطيافه مردها الحقيقي يعود إلى تلك الآمال الواسعة التي يعلقها الشعب المغربي على هاته الإصلاحات عموما، وعلى هاته الحكومة الجديدة على وجه الخصوص، والتي وعدت بالقيام بإصلاحات واسعة في جميع القطاعات خصوصا تلك التي لها علاقة مباشرة بالحياة اليومية للمواطنين كالصحة والتعليم والتشغيل وإصلاح الإدارة والقضاء، فإنه مما لا ريب فيه هو أن المواطن البسيط لا يهتم كثيرا بالنقاش السياسي النخبوي الذي يركز على دستورية أو عدم دستورية بعض ما أقدمت عليه الحكومة من أنشطة، بل إن ما يهمه هو ما له علاقة بحياته اليومية، مثل الزيادة في الأجور، وتخفيض أسعار المواد الأساسية، وتشغيل الكفاءات العاطلة، واتخاذ قرارات تنموية تساهم في الرقي بالبلاد.

ولذلك يمكن أن نعتبر اهتمام المواطن البسيط بالجانب السياسي لا يعود في أساسه إلى المجال النظري المحض، بل يعود إلى انعكاس الجانب السياسي على حياته اليومية ومشاكله الواقعية. فالسياسة في حد ذاتها هي سياسة أحوال الناس ورعاية مصالحهم، إذ كيف يمكن للسياسي أن يطمئن على بلده بعد كل هاته الإصلاحات والإنجازات ما لم يبذل قصارى جهده من أجل إشاعة التنمية في البلاد، ومن أجل محو تلك الأوضاع القاتمة التي ترسمها التعاسة والفقر والحاجة والأمية على جبال الأطلس وفي المناطق النائية، بل في وسط المدن الكبرى التي نجد فيها أحزمة للفقر، ونجد فيها من quot;لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا.quot;

إن النقاش السياسي السائد بالمغرب في الآونة الأخيرة من الأهمية بمكان، سواء كان نخبويا أو quot;شعبوياquot;، فهو في جميع الأحوال ظاهرة إيجابية تنشر ثقافة سياسية سليمة في المجتمع، وتجعل المواطن قادرا على مراقبة أعمال منتخبيه ليحاسبهم على ما قدموا. وذلك كله خير حافز لهم على أن يعملوا ما في جهدهم للمساهمة في تنمية البلاد وإسعاد العباد.

باحث في العلوم القانونية بجامعة محمد الخامس بالرباط
المملكة المغربية