ماذا سيكون الشعور العام والخاص إذا ما بدأ أحد النواب الأقباط المسيحيين لبرلمان الثورة المصري الجديد بالقول باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، والسلام على رب المجد المسيح كلمة الله التي ليس كمثلها شيء، والسلام على كافة الانبياء أجمعين؟ هل سوف يعتبر ذلك من الحرية الشخصية ويدخل تحت مبدأ حرية الاعتقاد والتعبير؟ أم سيعتبر خلطا للدين بالسياسة ونوع من أنواع التمييز والاستعلاء الديني؟ أم ماذا؟

لكي نعرف إجابات مثل هذه الأسئلة دعونا نتأمل كيف أفتتح السيد الأمين العام السابق لحزب الحرية والعدالة وعضو مكتب الإرشاد السابق لجماعة الأخوان المسلمين ورئيس البرلمان المصري الجلسة الأولى للبرلمان في ثوبه الجديد بعد ثورة 25 يناير 2011 بالقول بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى كافة الانبياء أجمعين.

بالتأكيد سيقول البعض أن هذه الافتتاحية طبيعية وعادية لبعض المنتمين إلى الجماعات الإسلامية بل وسوف يزيدك القول آخر بأن كثير من المسلمين من الوزراء والمحافظين ورؤساء الجامعات والعمداء والمسئولين والقادة وغيرهم يسلكون نفس المسلك. وأن هذا التقليد متبع ليس في المناسبات الدينية فقط ولكن في معظم الاجتماعات الرسمية على مستوى الدولة بل ويتم تسجيلها كتابة في المحاضر الرسمية.

بالطبع ليس من حق أحد أن يعترض على ايمانيات ومعتقدات الآخرين والتي يجهرون بها صراحة قولا وكتابة لأن في هذا حرية المعتقد وحرية الرأي والتعبير. نعم هذا الطرح صحيح ولكن !! فإن أراد البعض أن ينطق البسملة أو الأدعية التي يريدها في البرلمان أو مؤسسة غير دينية فعليه أن ينطقها سرا لا جهرا لأن المؤسسات العلمية أو السياسية ليست دور عبادة أو حوزات دينية. ولذلك فمن المستغرب أن يتم هذا في برلمان يعبر عن كافة أطياف وانتماءات الشعب المصري العرقية والدينية والفكرية... والمدهش أن يبدأ هكذا رئيس البرلمان وليس عضوا عاديا من الأعضاء وكأنه يرسي مبدأ وتقليدا للبرلمان كانوا في السابق يفتتحونه بالقول باسم الله باسم الشعب نبدأ الجلسة. والعجيب أن احدا في أي برلمان في أية دولة ديمقراطية حرة في العالم أجمع لا يبدأ كلامه بإعلان ايمانه ومعتقداته الخاصة لأن هذا يعتبر معاكسا لمبادئ حقوق الانسان والمساواة بين البشر أجمعين..

وإذا كان حزب الحرية والعدالة والمهيمن بأغلبية على مقاعد البرلمان والذي يؤكد دوما أنه مع مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات لجميع المصريين بدون أي تمييز نوعي قد كسر هذا المبدأ في أولى جلسات البرلمان فعليه ألا يتعجب الآن إذا ما بدأ الأعضاء الآخرون كلماتهم بإعلان ايمانهم وقناعاتهم الفكرية والعقائدية مثلما فعل سيادته. فنرى مثلا أحد النواب الأقباط يبدأ القول باسم الاب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. ونرى نائبا آخر يبدأ بالقول باسم الشعب باسم الحرية والعدالة الاجتماعية وهكذا. وماذا لو كان هناك بعض النواب من الشيوعيين أو اللا دينيين أو البهائيين أو الشيعة أو البوذيين؟ هل يعقل أن يكون برلمان الشعب الواحد بهذه الصورة المختلفة والمتخالفة؟ بالطبع غير معقول لأن هذا الطرح لا يؤدي إلى اتفاق المختلفون مع المخالفين بل سيحول البرلمان المنوط به توحيد الشعب على كلمة سواء إلى العكس تماما وسينقسم البرلمان روحيا إلى مجالات مختلفة ومتعاكسة احيانا، الأمر الذي يؤدي بطريقة أو بأخرى إلى شحن نفسي ومعنوي سالب تجاه الآخر.

وهنالك ملاحظة أخرى فقد رأينا أيضاً كيف تعامل حزب الحرية والعدالة مع مفهوم الأغلبية وفسره على ان الأغلبية من حقها أن تستحوذ على مقعد الرئاسة ومعظم أو كل مقاعد اللجان البرلمانية الفرعية ونسي أو تناسى أن بهذا التفسير يكون من حقه أيضا الاستحواذ على معظم قيادات الأفرع العسكرية والشرطية والمجلس الأعلى للصحافة والمجلس الأعلى للثقافة وغيرها. أي منطق هذا!

في الحقيقة أن أي استاذ جامعي يعي تماما أن النتيجة المثلى لأي الامتحان مثالي تأتي دائما بعدد قليل من الطلاب المتفوقين والحاصلين على تقدير امتياز أو جيد جدا والأغلبية عادة ما يكون تقديرها موزعا ما بين مقبول وجيد وعدد قليل من الراسبين وهو ما يعرف رياضيا بمنحنى جاوس!! فهل بعد هذا التوضيح يجب ان تتولى الأغلبية مسئولية قيادة الأقلية؟ أنا لا أفهم هذا المنطق. لأن الأصل في الريادة والقيادة الكفاءة والمهنية والتخصص وليس الانتماء إلى حزب الأغلبية.

الزمن هو القوة الوحيدة التي تتحرك بدون مقاومة ولا تستطيع أية قوة أن توقفه.. وبتغير الزمن يتغير الوعي الإنساني والحضاري نحو الأفضل. من لا يفهم هذا عليه بدراسة تاريخ الشعوب وفلسفه التاريخ بطريقة موضوعية وليس بطريقة من يكتب بنفسه ليقرأ لنفسه. إن المسئولية الوطنية تفرض على جماعة الإخوان المسلمين الآن أن تجتهد وتجد التفاسير الصحيحة التي تسمح لها بفك الاشتباك بين الدين والسياسة حتى لا تعزل نفسها بنفسها عن الشعب الذي يتوق للديمقراطية الحقيقة غير الكاذبة في دولة مدنية حديثة لأن العكس يعني الحركة في المكان أو الحركة ضد الزمن. إن لم تجدد الجماعة فكرها ليتحرك في اتجاه تحقيق الدولة المدنية العصرية وتتوحد مع أهداف ثورة الشعب المصري بكل أطيافه وفئاته فسوف يأتي يوم إن عاجلا أو آجلا يصرخ الشعب فيه quot; الشعب يريد إسقاط الأخوانquot; ذلك الهتاف الذي اسقط به الشعب النظام السابقquot;. حمى الله مصر وجنبها شر الفتن ما خفي منها وما ظهر.


[email protected]