لا أدري حقيقة كيف صيغت المبادرة الأخيرة للجامعة العربية بشأن الأزمة السورية ومن ثم صدور القرار الأخير وهو قرار غير مسبوق في تاريخ الجامعة العربية و القاضي بدعوة رئيس النظام السوري لتفويض سلطاته لنائبه ألأول و من ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تدعو لها المعارضة السورية أصلا، وتغيير الدستور السوري و الذي صيغ عام 2000 على مقاييس حذاء الرئيس بالضبط، و من ثم الدعوة للتحقيق فيما حصل من مجازر و تنقية جهاز الشرطة كما قيل.

إلى آخر تلك القرارات و المقترحات السوريالية التي كان واضحا لمن قررها و صاغها و أعلنها بأنها قرارات مرفوضة بالكامل من الجانب السوري، و بأنها ولدت ميتة أصلا ولاداعي للإسترسال و المناقشة بشأنها، فالنظام السوري و بعد عشرة شهور من التقتيل الشامل و الخطابات الرئاسية المبتهجة بنشوة الدم و المبشرة بالقضاء على العصيان! و بلهجة الرئيس الساخرة الضاحكة من كل مآسي الوطن السوري و مصائبه و بلاويه لا تعطي لأي متفائل أي مجال بإمكانية أن يتزحزح النظام الأمني عن مواقفه السابقة لكونه و بحسه الأمني و بحاسته الإستشعارية للخطر يعلم علم اليقين بأن ما يدور حاليا هو بمثابة معركة المصير الواحد بالنسة للنظام البعثي القمعي، كما أنه يعلم بأن الثورة الشعبية السورية لن يرضى أبنائها إلا بإحدى الحسنيين، النصر التام و الشهادة الكريمة ولا مجال أبدا لأي حلول وسطى تكون بمثابة منزلة بين المنزلتين ؟ لقد أعد النظام العدة اللازمة لمنازلته الكبرى مستعينا بكل مخزونه الستراتيجي من الأسلحة و المعدات و الحلفاء الروس و الإيرانيين و أذنابهم في لبنان و العراق سواء من عصابة حسن نصر الله اللبناني أو بقية القطعان المؤلفة قلوبهم في العراق الإيراني الراهن.

و تلك المنازلة القائمة أيضا لا تتحمل أنصاف الحلول، لقد جاء النظام ليبقى و يسود و يحكم وفقا لقناعاته الخاصة ورؤاه و تحالفاته الطائفية و أجندته الإستخبارية التي تشكل عصب وجوده، فكيف يرضى بتسلل المعارضة إن قبلت التعامل مع النظام لجحوره الإستخبارية و قلاعه الأمنية ؟ و كيف يستطيع التعايش المستحيل مع عناصر إجتهد في قتلها و إجتثاثها و إعتبارها عناصر صهيونية متآمرة وفقا للخطاب البعثي الزاعق الفاشل المعروف.

بكل تأكيد فإن مبادرة الجامعة العربية قد صاغتها عقلية عبقرية تدفع بالملف السوري للتدويل، و تحيل ملف المعاناة الإنسانية السورية لمسؤولية المجتمع الدولي و ما سيتبع ذلك من إجراءات إقتصادية ومن ثم عسكرية يعلم النظام السوري نتيجتها النهائية و التي ستنتهي قريبا بهروب الرفاق و قادة أجهزة المخابرات لبغداد و طهران و أماكن أخرى معلومة و معروفة، لقد بدأ بقرار الجامعة العربية الأخير العد التنازلي النهائي لمسيرة النظام السوري، فالرفض السوري المطلق وهو لا يمتلك سوى الرفض سيؤدي بالضرورة لتدويل الملف ولن تستطيع روسيا ببلطجتها المافيوزية أن تحمي النظام طويلا و ستتخلى عنه كما تخلت عن حلفائها السابقين في بغداد و طرابلس، فروسيا في النهاية تفتح ذراعيها و تحتضن أياديها من يدفع أكثر.

وهي بكل إمكاناتها الإمبراطورية لا تستطيع مقاومة عجلة التاريخ الدائرة بعنف لسحق و إجتثاث الفاشيين و بقايا مخلفات عصر الحرب الكونية الباردة، سيرفع بشار الأسد و قادة مخابراته سيوفهم الخشبية التي تحطمت أصلا على صخرة صمود الشعب السوري و مقاومته الباسلة التي أطارت عقول المجرمين و أرهبت أفئدتهم العامرة بالحقد ضد الأحرار، و سيدخل الشيخ حمد بن جاسم التاريخ السياسي للمنطقة بإعتباره العقل الذي صاغ تلك المبادرة العربية المبنية ظاهرا على الأوهام و لكنها من الناحية الواقعية تشكل فخا قاتلا لن ينجو نظام المخابرات و تدبير المكائد و التهديدات من نتائجها التدميرية السريعة، لقد حمي الوطيس و جاءت لحظات الحقيقة المرة و سيواجه النظام السوري قدره النهائي على يد شعبه العظيم الذي حطم كل تابوهات الرعب و الخوف و تمرد على دولة المخابرات العتية و أنجز ثورته الوطنية بدماء الأحرار و المناضلين و عبد الطريق لكنس الفاشية نحو مزبلة التاريخ، أيام حاسمة سيعيشها الشرق الأوسط، ولكن تداعيات السقوط و الإنهيار بانت إرهاصاتها، ورحيل الطغاة لاحت بشائره، لقد آن لمهرجان الدم السوري العبيط أن يتوقف، إنها بالفعل معركة المصير التي سترسم وجه جديد و مختلف بالمرة للشرق الأوسط وهو خالي من أشباح البعث و طغاة العشيرة الذهبية المقدسة، لقد إنبلج فجر الحرية السورية المقدسة.

[email protected]