الإعلام وسيلة هامة من وسائل الإتصال الإنساني سيما الإعلام المرئي والتطور السريع في أدوات التعبير الإعلامية عبر الأقمار الإصطناعية. وثمة ميثاق شرف للإعلام يتعلق بكشف الحقيقة الموضوعية. ولقد وضعت ضوابط كثيرة وفي أكثر البلدان تحضراً وديمقراطيةً بشكلها النسبي المعروف تحرم تسلم الإعلامي أي هدية تمثل شكلا من أشكال الرشوة. وكثيراً ما أسقطت هدايا شخصيات إعلامية كبيرة تدير مؤسسات لها وزنها وثقلها في العالم. ولهذا السبب تقوم البلدان وضمن قوانينها الإعلامية بدعم المؤسسات الإعلامية وبشكل خاص المرئية منها كونها مؤسسات غير ربحية ولا تتمكن من تغطية نفقات البث ونفقات كادر القناة الفضائية. ولهذا السبب فإن تأسيس المؤسسة الإعلامية يخضع لشروط كثيرة منها الحرفية الإعلامية والأكاديمية والخبرة والنقاء الوطني ويتأسس ذلك وفق نظام يطبقه مجلس إدارة أكاديمي لأية مؤسسة إعلامية ووفق هذه الشروط تجاز تلك المؤسسة وتخصع للدعم. عندنا في المنطقة العربية وفي الشرق الأوسط الجغرافي لا توجد مثل هذه الشروط الموضوعية لتشكيل مؤسسات ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. ومنذ فترة وقبل أكثر من عقدين من الزمان ظهرت أول تجربة فضائية بدت مختلفة لكشف الواقع الموضوعي العربي. ومنذ تأسيس تلك التجربة الخليجية وضعت عليها الكثير من علامات الإستفهام بصدد الهدف من تأسيسها من خلال طبيعة البرامج وشكل تلك البرامج، وكان تأسيسها فاتحة لقنوات مماثلة في المنطقة حتى أصبح عدد القنوات الفضائية بالمئات ولأهداف كثيرة، ولكن ثمة قنوات بدأ يتوضح الهدف من تأسيسها سياسياً وعرقياً. ومع أن التوجه العرقي مخالف لقوانين الأقمار الإصطناعية لكن تلك الأقمار تغض الطرف عن هذا التوجه حسب توجه طبيعة العرق. المهم أن لا يكون العرق يصب في معاداة السامية! ولقد لوحظ عبر سياسة تلك القنوات الفضائية البذخ المادي وبروز جملة من المذيعات يقدمن نشرات الأخبار بملابس السهرة quot;سواريهquot; وليس بقيمة الملابس المتناسبة جمالياً وطبيعة التلفزة وكذا المبالغة في عملية التجميل الذي يفقد الجمال البشري الإنساني قيمته من كثر المساحيق التي ترسم وجهاً آخر فوق وجه هذه المذيعة أو تلك. كما يلاحظ خضوع المذيعين إلى عملية التجميل أيضاً بحجة التناغم مع طبيعة الإضاءة المستعملة، وأصبح شكل المذيع يعكس لدى المتلقي حالة ضمنية من الرفض والقرف. لا شك أن في المنطقة العربية والشرق أوسطية عدد كبير من القادة الدكتاتوريين. هذا شيء لا يحتاج إلى إثبات. فلقد نكل الدكتاتوريون بالشعوب في غرف مظلمة وفي معتقلات تطلق عليها لجان حقوق الإنسان quot;بيوت الأشباحquot; لكن وسائل التخلص من تلك الرموز الدكتاتورية كثيرة والقنوات الفضائية ليست المؤسسات المسئولة عن خلاص الشعوب من تلك الأنظمة. بل المطلوب من تلك القنوات أن تكشف الحقيقة الموضوعية فحسب. وهي إذ تكشف تلك الحقيقة فالأقرب لها هو الأنظمة التي تمولها وتمتلكها وتبث منها، فتلك الأنظمة ليست بريئة على الإطلاق من سمة الدكتاتورية والتسلط والفساد على صعد كثيرة، الأجدى بتلك القنوات الفضائية أن تكشف عن الحقائق الموضوعية في بلدانها وسترى أية مأساة مدمرة تعيشها شعوب تلك الأنظمة وأي خراب إنساني تقوم به ضد شعوبها وضد المنطقة. وبدلاً من أن تقوم تلك القنوات الفضائية بهذه المهمة فلقد سعت وبشكل سافر إلى تحريض قوى خارجية للتدخل في شؤون البلدان وشعوبها حتى أصبحت رؤوس الشعوب هي المطلوبة تحت شعار رأس الدكتاتور. فجندت قوى عسكرية رهيبة وخرافية لتدمر البلدان العربية والمسلمة وغير المسلمة وتسحق كل مؤسساتها الإجتماعية ومستشفياتها وبناها التحتية تحت ذريعة مطاردة هذا الدكتاتور أو ذاك. لكنها كانت تدمر البنية التحتية لتلك المجتمعات لإعادة تأسيسها ثانية ونهب ثرواتها. لقد تواطئت أولى القنوات التلفزيونية مع الدكتاتور العراقي وكانت تتسلم منه الأموال بل ثمة موظفون ماليون كانوا على رأس القسم الحسابي في تلك القناة. وبعد سقوط الدكتاتور عثر على الكثير من الرسائل التي تؤكد الدعم والرشوة والهدايا والكثير من صور العشاق بين مدراء القناة ومقدمي البرامج مع الأسرة العراقية الدكتاتورية الحاكمة. وبعد سقوط الدكتاتور تحولت تلك القناة وزميلاتها إلى تشجيع الأرهاب في العراق والعمل على بث الفرقة الطائفية بين أبناء المجتمع الواحد. ونتيجة لهذه السياسات الإعلامية يقدم الشعب العراقي اليوم آلاف وعشرات الآلاف من الأبرياء ويتم تدمير بنية المجتمع العراقي كاملة ودفعه نحو التشظي والإنقسامات وجعله مجتمعاً مريضاً سهل الإقتناص ونهب ثرواته الطبيعية والحضارية. ومثل سيناريو العراق إعلامياً سرى السيناريو بإتجاه ليبيا وإتضح بأن رأس الشعب الليبي هو المطلوب وليس رأس الدكتاتور وها هو المجتمع الليبي يدفع ثمن السياسات الإعلامية للقنوات الفضائية المتأسسة بقررات برانية موثقة! واليوم تتجه موجات القنوات الفضائية نحو سوريا الحلقة الأخطر ستراتيجياً في المنطقة لأن سوريا لا تمتلك الثروات الطبيعية التي يمتلكها العراق وليبيا والتي تحل مشكلة الأزمة الإقتصادية الخانقة للغرب. بل هي مفتاح الإطاحة بالنظام الإيراني ذي الثروات البترولية الكبيرة وحراس مضيق هرمز بوابة نهب الثروات الخليجية. ولم تكن حالة مصر بأحسن من حال سوريا فإن قناة السويس هي المدخل الثاني لهذا الممر. لو أردنا أن نلقي نظرة على شهداء المرحلة التي حرضت هذه القنوات الفضائية على قتلهم لأصبحنا أمام رقم مذهل، فرقم شهداء العراق خلال بضع سنوات أصبح ضعف شهداء الثورة الجزائرية على مدى مائة عام. هذا إضافة إلى تدمير البنية التحتية للمجتمع العراقي وزرع الأمراض البيئية في مياه وسماء العراق. وإن ليبيا أصبحت مؤهلة لبلوغ هذا الرقم وأكثر منه وليس فيها الآن سوى بواخر محملة بالثروات النفطية وسبائك الذهب المهربة منها نحو مصارف الغرب كغطاء للعملة الورقية التي باتت تطبع بدون غطاء ذهبي. ويتعارك الليبيون بالأسلحة الثقيلة داخل المدينة الواحدة وفي الشارع الواحد والبناية الواحدة وبالراجمات. من المسئول عن كل تلك الضحايا وكل أولئك الشهداء وكل ذلك الدمار للبنية التحتية لبلدان المنطقة وشعوبها؟! أليست قنوات فضائية ومالكي قنوات فضائية ومقدمي برامج في تلك القنوات الفضائية؟ فإذا كنا اليوم نطالب بمحاكمة قتلة رفيق الحريري وهو فرد وشخص واحد ونقيم المؤتمرات وتنعقد جلسات مجلس الأمن والأمم المتحدة وتحرض بلدان لدفع تكاليف المحاكمة في محكمة جرائم الحرب في لاهاي، فلماذا لا تتم محاكمة قنوات فضائية تخرج عن ميثاق الشرف الأعلامي وتتحول إلى قنوات توجه أسلحتها الفتاكة والأكثر فتكا من الأسلحة الجرثومية نحو شعوب المنطقة بكاملها وتجري الدماء أنهاراً وتستباح حرمات وأضرحة مقدسة لأولياء نظيفيين وأنقياء ويتربع فيها على طاولات التحريض المضاءة والملونة عارضات أزياء يحملن لقب مقدمات برامج وقارئات نشرات الأخبار وكذا عارضو باروكات وأربطة عنق بلقب مقدمي برامج ومذيعي نشرات أخبار، وكلهم بآخر صرعات الأزياء وتحت وطأة مزينين يرسمون وجوهاً على وجوه، يتقاضون أعلى الرواتب من أجل إضفاء الزينة والإحتفالية على دماء بريئة تهدر في هذا الزمن الرديء، يدفع ثمنها أبرياء على أرض عربية طاهرة سكن فيها أنبياء الله ليستقبلوا أكثر البرامج الدينية تحقيراً للدين وللتراث وللقداسة، كل ذلك يتم تمويله بأموال النفظ العربية كي تشكل تلك القنوات الفضائية غطاءً لجرائم أكبر تصعب مشاهدتها من شدة بريق البث التلفزيوني وعلى أوسع نطاق. تبثه أقمار إصطناعية تتحكم بمفاتيح البث وتغلق في حالة واحدة عندما تمس القناة شغاف القلوب السامية! إعلامي عراقي مقيم في بريطانيا
لقد برزت تلك القنوات الفضائية ضمن مهمة ليست إعلامية على الإطلاق. فبمرور الوقت تحولت المذيعة والمذيع ومقدمة ومقدم البرامج إلى محققين ورجال أمن ورجال سلطة وعملاء وكالات إستخبارية وشركات إحتكار، للتحريض على الواقع وضمن مفهوم الكيل بمكيالين. هذا في الجانب السياسي. وفي الجانب الروحي والديني فلقد أشعلت تلك القنوات الفرقة الإجتماعية وحرضت على تقسيم المجتمع طائفياً وعرقياً. والأكثر من هذا سعت تلك القنوات إلى تشجيع العمليات الأرهابية والتعامل معها حتى دخل بعض المراسلين إعضاءً منظمين مع المؤسسات الأرهابية وتواطئوا معهم ولا يزال بعض المذيعين رهيني السجون في بعض البلدان ولا يسمع أحد عنهم شيئاً.
- آخر تحديث :
التعليقات