المبادرة العربية الجديدة، المدعومة أميركياً و أوروبياً، تحوّلت الآن إلى quot;مشروع قرارٍ عربي غربيquot;، لمناقشته في مجلس الأمن اليوم الثلاثاء، على أمل أن يكون جاهزاً للتصويت عليه قبل نهاية الإسبوع.
لكن، روسيا كعادتها، لن تسمح لهذا المشروع المرور عليها مرور الكرام.
هي ستبذل كلّ ما في وسعها للإلتفاف على المبادرة، وتفريغها من مضمونها، أو إسقاطها بالكامل، بquot;سيفquot; الفيتو، المسلّط على رقاب الشعب السوري منذ ما يقارب ال11 شهراً.
روسيا أعلنت على لسان نائب وزير خارجيتها جينادي جاتيلوف، أنّ quot;مسوّدة القرار الغربي العربي بشأن سورية، في الأمم المتحدة غير مقبولة، وتفتقر إلى جوانب أساسية بالنسبة لناquot;.
أما quot;الجوانب الأساسية التي تفتقر إليها المبادرةquot;، من وجهة النظر الروسية، فيمكن إختصارها في اللاءات الثلاث:
لا لتنحي الأسد وإسقاط نظامه!
لا لفرض العقوبات عليه!
لا لحظر السلاح وبيعه إليه!
على الرغم من دخول الأوروبيين والأميركيين مع الروس، على خط المفاوضات، لإقناعهم بالعدول عن موقفهم المتعنت، تجاه الأزمة السورية، لتقديم ما يمكن تقديمه للشعب السوري المنكوب في محنته، إلا أنّ الروسَ لا يزالون مصرّين على دعمهم الكامل للنظام السوري، وغير مستعدين حتى اللحظة، لتقديم أية تنازلات، من شأنها أن تعجّل برحيل الأسد، ونهايته التي تنبأ بها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، منذ أشهرٍ، بأنها ستكون quot;حزينةquot;.
لا توجد أية مؤشرات، حتى الآن، تدلّ على حدوث أيّ تغيّر في الموقف الروسي، تجاه الأزمة السورية. وهو ما أقرّه وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، في تصريحٍ له، الإثنين، بان quot;ظروف تبني قرار، غير متوافرة بعد، لأن روسيا تواصل المقاومةquot;.
سوريا هي quot;قلعةquot; روسيا وquot;حصنهاquot; الأخير في المنطقة. عليه، سيبذل الروس قصارى جهدهم، بإستخدام quot;الفيتوquot; وما ورائه من أوراق أخرى، للحؤول دون سقوط نظام الأسد.
ليس للروس، إذن، إلا quot;الفيتوquot; وما حوله من أوراق سرية. هكذا تقول مواقفهم تجاه الأزمة السورية، منذ بدايتها وحتى الآن.
الجديد في الموقف الروسي، هو إعلان وزارة الخارجية الروسية عن quot;إستعدادها لإجراء إتصالات غير رسمية مع ممثلي المعارضة، للحوار مع ممثلي السلطة في أراضيهاquot;. أما الجديد الآخر، فهو موافقة السلطات السورية على هذا الإقتراح الروسي، بدون ذكر أية تفاصيل.
هذا الجديدان الطارئان على الموقفين الروسي والسوري، فيهما رهانٌ على الوقت، لإطفاء المشكلة بدلاً من حلها، لا سيما وأنّ روسيا تؤكد منذ الآن على quot;لارسميةquot; هذه الإتصالات. الأمر الذي يرفضه الشق المعروف بquot;الخارجيquot; من المعارضة السورية الممثلة بالمجلس الوطني السوري، الذي يرفض قطعاً، كما أكد اليوم، أيّ حوارٍ مع السلطة، قبل تنحي الأسد وعائلته. علماً أنّ طلباً أو شرطاً كهذا(الرحيل أو التنحي وما شابه ذلك) لا يزال من وجهة نظر النظام، يدخل في باب quot;اللامفكّر فيهquot;، وquot;الأكثر من أحمرquot;، وquot;الأكثر من ممنوعquot;.
لكنّ روسيا تعلم في المقابل، أن هذا quot;الفيتو الماراتونيquot; الذي quot;أنقذquot; نظام الأسد، حتى الآن، من السقوط في نهايته، لن يستطيع الصمود، وسط الإنتقادات الشديدة، في مجلس الأمن، إلى ما لا نهاية، لا سيما وأنّ وتيرة العنف في سوريا قد ازدادت، في الأيام الأخيرة الماضية، بشكل نوعي، ما ينذر بدخول سوريا في حربٍ أهليةٍ، ستُسقط البلاد، على ما يبدو، في أكثر من مجهولٍ.
للصبر حدود. روسيا تعلم ذلك تماماً، وتضع في الحسبان، بأنّ صبر الدول الكبرى الأخرى في مجلس الأمن(أميركا وبريطانيا وفرنسا) قد ينفذ. والحالُ، quot;روسيا لا يسعها الاستمرار في عرقلة الامم المتحدة وتغطية القمع الوحشي الذي يمارسه النظامquot;، على حدّ قول متحدثٍ باسم الخارجية البريطانية.
المبادرة العربية ستشكلّ، بدون شك، إحراجاً للموقف الروسي، خصوصاً وأنها مبادرة quot;متكاملةquot;، تقدّم الحل السياسي على الحلّ الأمني العسكري، لنقل السلطة سلمياً إلى الشعب السوري، عبر انتخابات برلمانية ورئاسية ديمقراطية، تحت إشراف عربي ودولي.
من المؤكد، أنّ الفيتو الروسي، لا يزال هو هو، مسلّطاً كالسيف، على رقاب السوريين، كما كان، لقطع الطريق أمام اتخاذ أيّ قرار، من شأنه يدين النظام السوري، أو يعاقبه، أو يطالبه بالتنحي. لكن من شبه المؤكد أيضاً، هو أنّ روسيا الأكثر من quot;محرجةquot;، الآن، أمام الرأي العام الروسي والعالمي، بدأت تبحث وراء مجلس الأمن، كما تقول بعض التسريبات القادمة من كواليس الأمم المتحدة، عن quot;إمكانية أمميةquot;، لمقايضة الفيتو بquot;تعويضاتquot;، من شأنها أن تحمي وتؤمّن مصالحها في المنطقة.
قادم سوريا، كما يقول الدم السوري الكبير، بات على كفّ أكثر من عفريت. كلّ التطورات على الأرض، ميدانياً، تشير إلى أنّ الأزمة السورية، قد دخلت نفقاً مظلماً لا بصيص نور فيه، خصوصاً بعد العمليات النوعية التي قام بها quot;الجيش السوري الحرّquot; في أكثر من مكان سوريّ، ودخوله في اشتباكات ومعارك عنيفة مع الجيش النظامي، على بعد بضع كيلومترات من العاصمة دمشق، ما يعني خروج بعض المكان السوري المشتعل، عن سيطرة النظام.
روسيا باتت تدرك، كما يدرك العالم أجمع، أنّ هذا النظام هو آيلٌ إلى أكثر من سقوطٍ، عاجلاً أم آجلاً. لا أحد في العالم، لا روسيا ولا غيرها، بات يستطيع quot;ضمانquot; بقاء الأسد ونظامه في السلطة. النظام، بالنسبة لروسيا لم يعد، إذن، quot;عصفوراً في اليدquot;، لضمان مصالحها، كما كان.
هي ستبحث من الآن فصاعداً، عن quot;عصافير بديلةquot; في اليد، تعوّضها عن quot;النظام العصفورquot; الذي بات على الشجرة.
ستحاول روسيا، على الأرجح، في الوقت الضائع، أو ربما بعد فوات الأوان،، إقناع الأسد بضرورة التنحي، quot;لحفظ ماء الوجهquot;، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصالحها.
لكنّ السؤال هو: هل سيقبل الأسد بالتنحي، والخروج من كلّ هذا المولد السوري quot;الدمويquot; بدون حمّص؟
العارف بتركيبة النظام السوري وعقليته، يعرف أيضاً أنّه من الصعب جداً على الأسد تسليم السلطة إلى الشعب، بquot;التي هي أحسنquot;، هذا فضلاً عن أنّ الطريق إلى التنحي، بات محفوفاً بالكثير من المخاطر، والكثير من أعواد المشانق، وما عاد الرحيل quot;سهلاً ممكناًquot; كما كان.
من هنا، ليس من المستبعد، أن يبيع الروس النظام السوري، في أقرب quot;بازارٍ أمميquot; ممكن، يعوّضه عن خسائره الممكنة في المنطقة.
quot;الفيتوquot; الروسي، ليس مقدساً، وبوصلته هي مصالح روسيا الإستراتيجية، لا مصلحة النظام السوري.
روسيا تنتظر الآن quot;تعويضات أمميةquot;، مقابل العدول عن استخدامها حق النقض الفيتو.
لكنّ السؤال الأساس هنا، هو: من سيؤمن لها هذا quot;البخشيش الأمميquot;، ويعوّضها عن خسائرها الممكنة، جرّاء سقوط النظام السوري، متى وكيف؟
من سيشتري quot;شرّquot; لاءات روسيا الثلاث، لخير سوريا وشعبها المحكوم بشرّ نظامٍ ديكتاتوري جاثمٍ على صدورهم، كالكابوس، منذ أكثر من أربعين عاماً؟
التعليقات