في الذكرى الثلاثين لحوادث حماة 1982 تواصل عصابات دمشق مسيرة المجازر بدون هوادة. حتى هذه اللحظة هرب المسؤولون عن احداث حماة من المحاسبة. وها هو بشار الأسد يكرر نفس الاخطاء الكارثية التي ارتكبها والده قبله مما يدعو المرء للتشكك في مقدرة بشار الأسد العقلية وقدرته على التمييز بين الخطأ والصواب. والجانب الآخر ان هذا الموقف الاجرامي يعزز الاعتقاد ان نظام دمشق يستخدم سياسة المجازر عن سبق واصرار للبقاء في السلطة بأي ثمن.

لا يزال الشعب السوري يكافح للتخلص من الدكتاتور بشار الأسد الذي اعتبره الغرب في مرحلة من المراحل أنه يمثل الجيل الجديد من القيادات العربية المنفتحة الاصلاحية. اكتشف السوريون والعرب والغرب ان بشار الأسد طاغية وسفاح من الطراز الكلاسيكي المتعطش للدماء لا يختلف كثيرا عن معمر القذافي او صدام حسين وحتى ان البعض يراه كمجرم اسوأ منهما. في الشهور العشرة الأخيرة قتل النظام أكثر من 6500 مدني بما فيهم عدة مئات من الاطفال وعدد الضحايا يزداد يوما بعد يوم.

لا شك ان النظام السوري حرض على عسكرة الاحتجاج السلمي لكي يتهم المتظاهرين بالارهابيين ليبرر عمل عسكري شديد القسوة. النظام ذاته بغباءه السياسي واعتماده على الحلول الأمنية يستدرج التدخل الخارجي لحماية الشعب السوري من المجازر. حتى ان الجامعة العربية التي اتهمت بالتواطؤ مع النظام قررت سحب بعثة المراقبين من الاراضي السورية وتحويل الملف لمجلس الأمن. النظام يتهم العرب بالعمل على تدويل الموضوع ولكن التدويل ابتدأ منذ شهور حيث تدخلت ايران وروسيا والصين للدفاع عن النظام.

الجيش السوري الحر الذي ولد كنتيجة مباشرة لعنف النظام ضد المدنيين يزداد قوة وشعبية وجرأة. انتفاضة الشعب السوري ليست حركة سنية جهادية ضد العلمانية الكافرة بل هي حركة شعبية تشمل علويين ومسيحيين ودروز واسماعيليين ومذاهب اخرى. الجهود العربية والدولية لعزل النظام واضعافه وسقوطه لم تنجح بسبب العرقلة الروسية. لعقود عديدة كان الاعتقاد السائد ان اميركا وأوروبا يدعمان الدكتاتوريات في العالم العربي. ولكن في لحظة الحسم التي فجرها الربيع العربي وقف الغرب مع الشعوب ووقفت روسيا والصين مع الطغاة.

تميز النظام البعثي السوري بالعنفية منذ استيلاءه على السلطة قبل نصف قرن. وفي ندوة عقدت في البرلمان البريطاني لتناقش الملف السوري قبل نهاية العام الماضي وصف ديبلوماسي عربي مخضرم سوريا ببلد المؤامرات والانقلابات والاغتيالات والمجازر. حيث بعد الاستقلال بثلاث سنوات حدث اول انقلاب عام 1949 وتبع ذلك ثلاثة انقلابات بعثية 1963 و 1966 وآخرها عام 1970 عندما انقلب حافظ الأسد ضد رفاقه وسجنهم. تميزت فترة حكم حافظ الأسد بالعنفية والتآمر والاغتيال السياسي. كوزير للدفاع تلقى حافظ الأسد ضربة موجعة عندما هزم الجيش السوري في حرب حزيران 1967 وخسر هضبة الجولان والتي لا تزال تخضع للاحتلال الاسرائيلي حتى الآن. جاءت الفرصة للتعويض عن هذه الخسارة وعن هذا الفشل في لبنان لاستعادة جزء من كرامته وكرامة الجيش السوري ولكن التدخل في لبنان كان عشوائيا حيث غيرت سوريا مواقفها وتحالفاتها عدة مرات وانقلبت على اصدقاء الأمس واكتسبت عداء معظم الاطراف المتنازعة في لبنان ورافق ذلك مرحلة الاغتيال السياسي لخصومه اللبنانيين. يقول المؤرخون مثل فؤاد عجمي ان حافظ الأسد اختار الحل الستاليني اي حل القتل الجماعي في حماة في شباط 1982 حيث تم قتل عشرة آلاف سوري رغم ان التقديرات الأخرى تشير الى ارقام تزيد عن ثلاثين الف سوري. ومن الملاحظ ان بشار الابن قرر أن يواصل المسيرة الاجرامية التي ورثها من والده. كما ارتبط عهد حافظ الأسد بجرائم سجن المزة قرب دمشق الذي تحول الى مركز للتعذيب والتنكيل بذوي الرأي الآخر وقتلهم وكذلك سجن تدمر الذي وصفه فؤاد عجمي في مقاله في مجلة نيوزويك الأميركية بمملكة الموت والجنون (العدد الأسبوعي 23-30 كانون الثاني 2012). وبعد ثلاثين عام لا تزال السجون تستقبل الاف النزلاء بما فيهم الاطفال ليخضعوا لحفلات التعذيب والتنكيل وتشويه الجثث. ورغم هذا التاريخ الحافل بالمجازر استبشر العرب خيرا بقدوم بشار الأسد حيث بعد وفاة باسل ابن حافظ المرشح للخلافة اثر حادث سير عام 1994 انتقلت الخلافة لبشار عام 2000 الذي وعد بالاصلاح والحريات وقام بالترويج لما يسمى بربيع دمشق والذي تم الغاؤه واستبداله بجحيم دمشق والمزيد من الاعتقالات والتعذيب والاغتيالات في لبنان وسوريا ذاتها. وبعد انفجار الربيع العربي قبل عام اعلن بشار ان سوريا حصينة وانها ليست ليبيا وليست مصر وليست اليمن وليست تونس. ولكن أثبت عدد من اطفال درعا ان بشار كان مخطئا ولعب اطفال تلك المدينة المنكوبة دورا حاسما في تغيير مجرى التاريخ وساهموا في الثورة التي ستسقط بشار الأسد واعوانه.

يزعم بعض المعلقون والمحللون ان بشار الأسد رجل متعلم وذكي ولكن تصرفاته الغبية تنفي تلك المزاعم فالرجل ليس ذكيا بل غبيا ومجازفا ومقامرا. يبدو ان هذا الرجل المتعلم تجاهل الدروس والعبر وتمسك بالحل الأمني الستاليني القمعي كما فعل والده عام 1982 ولم يقدر العواقب الوخيمة الناتجة عن قتل 6500 سوري لأنهم تظاهروا ضده وطالبوه بالتنحي. واذا اراد الرئيس ان يتجنب الهلاك ويتفادى مصير القذافي او مصير صدام العراق عليه ان يختار الحل التونسي ويذهب الى ايران او روسيا أو يختار الحل اليمني ويذهب لموسكو لتلقي العلاج النفسي الذي هو بحاجة ماسة له.

مشكلة بشار انه محاط بمجموعة من المنافقين والكذابين الذين يطمئنوه ان كل شيء على ما يرام وما لا يعرفه أن تلك العصبة من المنافقين والدجالين ستقوده للهلاك. علينا ان نتذكر ان رجالات صدام حسين الذين أيدوه حتى عندما اتخذ قرارات مصيرية كارثية ساهموا في تدمير العراق وتدمير صدام وعائلته وتدمير انفسهم. ويتعين على بشار احترازيا وكخطوة اولى ان لا يستمع للاطراء والنفاق والنصائح الخاطئة من ديناصورات البعث الجاهلة من امثال وليد المعلم وبثينة شعبان وماهر الأسد ومحمد ناصيف خير بك وآصف شوكت وعلي المملوك وعبد الفتاح قدسية ومحمد سمور ومحمد الشعار وجميل بدر حسن ورستم غزالة وغيرهم من رجالات الأمن والمخابرات ذوي الأيدي الملطخة بدماء الشعب السوري.

ومن السذاجة التعويل على المتملقين الذين يصرخوا بالروح والدم نفديك يا بشار. عندما تأتي لحظة الحسم سيهرب المهرجون ويتركوا الدكتاتور لمصيره ونفس الجوقة ستقوم بالصراخ في المستقبل هاتفة بالروح والدم نفديك يا برهان غليون او يا هيثم مناع او يا محمد الدابي. هل يعرف أحد اين الذين هتفوا بالروح والدم نفديك يا صدام ويا قذافي.
والخطأ الآخر هو التعويل على الزعران الاقليميين العاجزين عن علاج مشاكلهم الداخلية. على بشار ان لا يتوقع من ايران المغامرة بحرب اقليمية لانقاذ عصابة البعث السورية. والحليف العراقي الجديد الذي يخضع للارادة الايرانية لا يزال عاجزا عن حماية الشعب العراقي من الارهابيين المحليين وغير قادر على توفير الخدمات الأساسية للشعب. أما الدعم الروسي والصيني الذي يعتمد على بوصلة المصالح الراهنة فهو مؤقت وسوف لا يستمر لأن هذه الدول الكبرى قد تسحب الدعم في اللحظة الأخيرة كما فعلتا مع صدام حسين ومعمر القذافي.

اعلامي عربي

لندن