نظام الحكم في كردستان العراق لا يستند الى دستور، وما يسير امور الحكومة والبرلمان قوانين وضعية سنت لأجل خدمة أهداف حزبية وشخصية، ولكن بفضل التغيير الذي حصل عام الفين وثلاثة بعد سقوط الرئيس المعدوم صدام حسين، انطلق فجر جديد في تاريخ العراق الحديث، وتوج بموافقة العراقيين على مسودة الدستور الدائم في عام الفين وخمسة، دستور من أسمى الوثائق الدستورية في التاريخ القديم والحديث للبلاد من زمن حمورابي صاحب أول مسلة القانونية في تاريخ البشرية، الى زمن أول جمعية نيابية انتخبها العراقيون عام الفين وستة.

وبعد الاستفتاء على الدستور العراقي، قام برلمان كردستان بإعداد مسودة دستور للاقليم من خلال تكليف لجنة، وليس من خلال جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب، واعدت المسودة على قياس رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني وفصلت مواد خاصة برئيس الاقليم لتضع الدستور في خدمة البرزاني لفرض حالة استفراد مطلق بالحكم شبيهة بالأنظمة المستبدة، ومررت المسودة في البرلمان من خلال لعبة تكتيكية اعد لها حزب البرزاني بدهاء لتمريرها وسد الطريق امام اي محاولة لتعديلها وتغيير موادها.

واليوم بعد سنوات على تلك اللعبة الحزبية لتمرير مسودة الدستور في البرلمان، تعود أصوات نيابية تطالب باعادة المسودة الى البرلمان لاعادة النظر فيها وتعديلها حسب الظروف والأحداث الجديدة التي مر بها الاقليم والعراق والمنطقة، وقد وقع ستون نائبا في برلمان كردستان لسن قانون جديد لاعادة المسودة للمراجعة والتعديل.

وما يؤخذ على المسودة انها تمهد لارساء نظام رئاسي دكتاتوري بدلا من ارساء نظام برلماني وارساء نظام ديمقراطي متوازن في الاقليم يحفظ الحقوق للجميع دون فرق على أساس اللون والجنس والدين والمذهب والعرق، وقد نبهت المعارضة في ادبياتها وخطاباتها الى الخطورة التي تحملها سطور هذه المسودة لضمان رئيس للاقليم حسب أهواء ومواصفات البرزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني، وقد وظف حزب البرزاني رئيس البرلمان الحالي للوقوف بوجه الدعوات الداعية الى اعادة النظر في المسودة لتعديلها وتصحيحها.

ولا ينكر أن المسودة بالرغم من مساوئها وسلبياتها تعتبر نموذجا يمكن الاقنداء بها في منطقة الشرق الأوسط، وهي بموازاة الدستور العراقي الدائم من الوثائق الدستورية الهامة في العالمين العربي والاسلامي، والدستور الدائم يرتقي إلى مصافي الدساتير العالمية المستندة إلى أسس ومباديء حقوق الانسان و مباديء ثوابت المواطنة، وهو نابع من عقول وقلوب سطرت أحلام العراقيين ومنهم الكرد في سطور ثابتة تحمل في ثناياها المحبة والمودة والأخاء والتضامن والتظافر والتوافق بين جميع مكونات الأمة العراقية، سنة وشيعة، عربا وكردا وتركمانا وكلدانا وآشوريا، بكل أديانه من اسلام ومسيحية وايزيدية ومندائية صائبة، وبكل مذاهبه من سنة وشيعة وطوائفه المتنوعة، ونصوص الدستور مدونة تاريخية عالية المقام منسوجة بأحلام كل أجيال العراق وطموحاتهم الآنية والمستقبلية، وهي من أسمى سجلات القلوب المحفوظة في صدور أمينة كأسمى لوحة مؤطرة بكل الأصابع البنفسجية التي قالت نعم للدستور الدائم المنطلق من فضاء العراق الديمقراطي الاتحادي البرلماني التعددي، فضاء تنفست من جديد في يوم الاستفتاء بهواء نقي من صدور العراقيين بعد أن عاهدوا على صنع فجر جديد بعد صنعهم لفجر الانتخابات في يوم مشهود له، بعد أن شقت نسيم الحرية والكرامة إليهم في التاسع من نيسان ليرسموا مسارا جديدا وانطلاقة تاريخية لنموذج مميز في المنطقة وهو العراق الاتحادي البرلماني الديمقراطي، ولو ان مسار الحكم في بغداد وأربيل يتسم بفساد رهيب وتسلط استبدادي مازال بعيدا عن روح الديمقراطية الحقيقية.

وللحقيقة، فان اقل ما يمكن اعتراضه على مسودة دستور كردستان العراق، هو ان المسودة غير معدة من قبل جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب، واعدادها تم من خلال لجنة برلمانية استخفاف بحق الشعب الكردستاني في اصدار دستوره من خلال هيئة منتخبة لغرض اعداد الدستور والاستفتاء عليه، واصرار حزب البرزاني من خلال ممثله رئيس البرلمان لتمرير المسودة يحمل دعوة غير شرعية وتحمل نفس بصمات الأنظمة المستبدة لفرض سياساتها المعادية للمواطنة وايديولوجيتها بالقوة على الشعب.

والمساويء الأخرى التي تسجل على المسودة، يمكن ايجازها يما يلي:
1.خلو المسودة من شروط الترشيح لرئاسة الاقليم، وهذه الشروط مثبتة في الدستور العراقي الدائم.
2.منح صلاحيات واسعة ومطلقة في بعض المجالات لرئيس الاقليم.
3.تفريغ الهيكل الدستوري للسلطات من ضمان برلمان فعال من خلال فرض نظام رئاسي مستبد على كردستان العراق.
4.اعداد النصوص بنقص بلاغي شديد وعدم المام كافي بالكلمات والمصطلحات القانونية والدستورية.
5.اعداد المسودة من قبل لجنة برلمانية أغلبية أعضائها من حزب البرزاني، وهذا يعني ان المسودة بعيدة عن التوافق السياسي العام وبعيدة عن القبول الشعبي العام للكردستانيين في عموم الاقليم.
6.النصوص الواردة للمواد والبنود الرئيسية الواردة في المسودة بشأن الحريات الأساسية وتوزيع الموارد والثروة الطبيعية وتحديد الصلاحيات بين السلطات وتقسيمها بين التشريعية والتنفيذية والقضائية، تحمل بعض الضعف في المعاني والمقاصد.

ولا شك ان السمات الجديدة للدستور المقترح، يجب ان تكون بمعاني إنسانية وحضارية وديمقراطية متقدمة، لضمان الحرية وكرامة الإنسان في بلد ديمقراطي اتحادي برلماني تعددي، وكما قال العراقييون quot; نحنُ شعبُ العراق الذي آلى على نفسه بكلِ مكوناته وأطيافه ان يقرر بحريته واختياره الاتحاد بنفسه، وأن يتعظ لغده بأمسه، وأن يسُنَّ من منظومة القيم والمُثُل العليا لرسالات السماء ومن مستجدات علمِ وحضارةِ الانسانِ هذا الدستور الدائم، إنّ الالتزام بهذا الدستور يحفظُ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضاً وسيادةً quot;، وبهذا يحق للكرد اصدار دستور للاقليم ليكون محل فخر واعتزاز لكل الكرد والعراقيين بدستورهم الدائم وبدستور الإقليم.

لهذا فان أفضل طريقة لاعادة النظر في مسودة دستور الاقليم هي الدعوة لانتخاب هيئة جمعية وطنية منتخبة من الشعب للنظر في نصوص المسودة لتعديلها وتغييرها وطرح الدستور للاستفتاء عليه للمصادقة عليه والعمل بموجبه، ولا بد ان يتخذ برلمان كردستان القرار المناسب بهذا الشأن لانتخاب هيئة تأسيسية من الشعب لاعداد مسودة دستور كردستان العراق.


كاتب صحفي- كردستان العراق
[email protected]