الثورة الفرنسية بما جرت فيها من مذابح دموية و عمليات تصفية مريعة تقشعر الابدان لها، صادرها وهي في بداية أمرها نابليون بونابرت ذلك العسکري المشبع بالازمات و العقد النفسية عندما تمکن من خلال فراش جوزفين تلك المرأة الارستقراطية ذات العلاقات الواسعة بالاوساط النافذة من بين رجالات الثورة، أن يقفز على الجميع و يضع نفسهquot;أميناquot;وquot;وصياquot;على الثورة الفرنسية، بيد ان طموحات نابليون و أحلامه الشخصية التي کانت أکبر بکثير من فرنسا ذاتها، قادته في النهاية الى معرکتي اوستر ليتز و واترلو الشهيرتين و اللتين أرجعتاه و فرنسا الى الحجم الطبيعي الذي کان يجب أن يبقيا فيه لکن هذه الهزيمة بالعرف العسکري فرنسا کانت في نفس الوقت إنتصارا لمبادئ ثورتها و القيم و الافکار الجديدة التي أتت به، حيث أن مبادئ الثورة الفرنسية بدأت تتخطى حدود فرنسا و تکتسب بعدا إنسانيا عالميا مع سقوط اوهام جنون العظمة لنابليون.

عندما بعث أبرز قائد دموي في القرن العشرين و نعني به جوزيف ستالين بأحد رجاله ليقوم بعملية إغتيال المفکر الروسي البارز ليون تروتسکي و الذي کان في نفس الوقت أحد أعمدة الثورة البلشفية التي حدثت عام 1917 في روسيا، في المکسيك بواسطة ضربة طبر على رأسه و أرداه قتيلا، فإنه قد أزاح بعمله هذا من أمامه أکبر و أهم منافس له على زعامة الثورة، إذ أن ستالين لم يکن مفکرا بالمعنى الحقيقي للکلمة بقدر ماکان جزارا و سفاحا يرهب و يرعب مختلف أطياف الشعب الروسي وقد تمکن من خلال اجواء الاستبداد و القمع الاستثنائيين الذي فرضهما على روسيا، من إختصار الثورة البلشفية في شخصه و صار الشخصية المقدسة التي لم يتمکن أحد من رجالات الثورة البلشفية ولو مجرد التفکير بمعارضته و مناقشته على نزعاته الشخصية الضيقة و بقيت البلادquot;البلشفيةquot;رهن بسطوته حتى وفاته حيث خرج من بعده نيکيتا خروشوف ليساعد الشعب الروسيquot;وليس الثورة البلشفيةquot;، على إلتقاط أنفاسه و إبداء قسط من الراحة على ذلك الفاصل الزمني الرهيب بحق و حقيقة.

عندما اسقط بيد شاه إيران محمد رضا بهلوي و أجبر على رکوب طائرته و توديع إيران بدموعه وهو يلقي آخر نظراته عليها، نجحت الثورة الايرانية و صارت أمرا واقعا أثار لغطا و جدلا واسع النطاق خلال تلك الفترة بصورة خاصة و لحد الان بصورة عامة، الثورة التي صنعها عامة الشعب الايراني و طلائعه الثورية ولاسيما تلك التي کانت تقض من مضجع الشاه و أجهزته الامنية، تم إختصارها في النهاية أيضا في شخص آية الله الخميني و تلك المجموعة من رجال الدين الذين کانوا يحيطون به، وکما أرعبت الثورة الفرنسية و البلشفية شعبيهما و جيرانهما و العالم بافکارهما و سيناريوهات التغيير، فإن مسألةquot;تصدير الثورةquot;، قد أطارت بدورها صواب مختلف أنظمة المنطقة ذات الطابع الاستبدادي خصوصا تلك التي قامت على أساس جمهوري و هي في الحقيقة لم تکن سوى أنظمة شمولية بوليسية تميزت بمبالغتها و إفراطها في ممارسة القسوة و العنف ضد شعوبها، کما ان حمامات الدم التي أقامها النظام الديني في مختلف أرجاء إيران ضد أبناء الشعب الايراني و حملات الاعدام الصورية و عمليات الاغتيال و التصفية ضد المعارضين و المخالفين، نزعت من رجال الدين الغطاء الثوري الذي کانوا يستخدمونه بطريقة ميکافيلية لإستدرار عطف و تإييد شعب المنطقة و العالم و جعلتهم يظهرون کمجموعة منغلقة على نفسها و تجاوزت مبادئ و أفکار الثورة الايرانية بفراسخ.


نابليون بونابرت و جوزيف ستالين و الخميني، ثلاثة نماذج ثبت للعالم بأسره دورهم الملفت للنظر في إقامة جمهوريات مبنية على أسس غير منطقية، وثلاثتهم قاموا بتوظيف ثورات شعوبهم من أجل مآربهم و أهدافهم الخاصة، لکن، الذي يغرد خارج السرب مفضوح أمره و يبدو هدفا سهلا أمام أول نسر ينقض عليه، مثلما ان الثوار الذين يستغلون دماء و تضحيات شعوبهم لغايات مغايرة فإنهم يقطعون ماضي الثورة عن حاضرها و بذلك ليس بالامکان مطلقا إعتبارها ثورة لأنها فقدت جذورها الاساسية و نفس الامر بالنسبة لأولئك الذين حرفوا الثورات عن مسارها إذ يصبحون في نهاية المطاف ثوار لاأهمية تذکر لهم لأنهم صاروا خارج الزمن!