مع صعود إيران إلى مستوى دولة إقليمية كبرى مؤثرة في الجغرافيا السياسية لمحيطها ولاسيما منطقة الشرق الأوسط تزايدت حجم الضغوط الخارجية عليها على خلفية ملفها النووي، وبالتزامن مع هذه الضغوط تبدو السياسة الإيرانية أمام مجموعة من التحديات الدولية والإقليمية والداخلية، ومع هذه التحديات التي يبدو انها مرشحة إلى المزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة تظهر إيران وكأنها أمام خيارين:
الأول: السير حتى النهاية على النهج الراديكالي الثوري في المرحلة المقبلة، بما يعني الصدام مع الإدارة الأميركية وإسرائيل التي بدأت تتحدث علنا عن توجيه ضربة عسكرية إلى المفاعلات النووية الإيرانية إذا لم تنجح واشنطن في وضع حد لهذا الملف عبر الدبلوماسية فيما تنتهج الإدارة الأمريكية أسلوب أعطاء العقوبات والضغوط الدبلوماسية والسياسية لدفع النظام إلى الانهيار من الداخل.
الثاني: ان تنجح طهران في تحقيق ما يشبه التسوية أو التفاهم مع الإدارة الأميركية على مجمل القضايا الخلافية المتفجرة في منطقة الشرق الأوسط ( العراق ndash; أفغانستان- الخليج - سورية - الملف الفلسطيني ...الخ ).
في الواقع، من يقرأ التاريخ القريب للسياسة الإيرانية قد يرجح فرضية الخيار الثاني وذلك انطلاقا مما أبدته هذه السياسة من براغماتية في ملف الحرب على أفغانستان التي أطاحت بحكم نظام حركة طالبان وفي ملف الحرب على العراق ومن ثم احتلاله، الا أن سخونة المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط على وقع الملف السوري بات يرجح كافة الخيارات. ومما لاشك فيه هنا، هو ان معركة التسويات ليست بأقل ضراوة من معركة الصدام نظرا لاختلاف الأجندة والأولويات ورفع كل طرف لسقف مطالبه في القضايا المطروحة في ظل اشتداد التوتر ودخول روسيا بقوة على خط الأزمة السورية والتحولات الجارية في العلاقات الإقليمية، وأقصد هنا القطيعة التي أحدثتها تركيا في علاقاتها مع سورية.
بالتوازي مع هذا الصراع المتصاعد مع السياسة الأمريكية على المنطقة لا يخفى على أحد ان إيران تبدو أمام جملة من التحديات الداخلية، منها ما يتعلق بالتحديات الماثلة في كيفية التعامل مع القضايا المجتمعية واختلاف الهويات القومية والسياسية وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والتحدي هنا هو في كيفية اعتماد حل سياسي لهذه المسائل التي تتفاعل في امتداد البلاد عشية الانتخابات البرلمانية الإيرانية.
في وقفة سريعة لمؤشرات المشهد الإيراني لا بد من التوقف عند جملة من المعطيات، لعل أهمها:
1- نجاح إسرائيل في اغتيال العديد من العلماء النوويين الإيرانيين في قلب العاصمة طهران، وهو ما بات يشكل تحديدا كبيرا لإيران في معركتها على ملفها النووي .
2- الهجمات التكنولوجية الفيروسية الامريكية ndash; الإسرائيلية على المفاعلات النووية الإيرانية والتي نجحت في إعطال العديد من هذه المفاعلات، وهو ما يعني إمكانية تأخير انجاز النووي الإيراني ان لم يكن تعطيبه.
3- تفاقم التداعيات الاقتصادية على وقع العقوبات الدولية والتي ادت إلى إنهيار كبير في العملة الإيرانية بما ينعكس سلبا على الأوضاع المعيشية ويهدد بانتفاضات اجتماعية واسعة.
4- الحديث عن تفاقم الخلافات داخل القيادة الإيرانية، وتحديدا بين الرئيس احمدي نجاد الذي يحرص على الظهور بمظهر الرئيس المنتخب والقريب من معاناة الناس وبين القيادة الدينية بقيادة المرشد علي الخامنئي الذي يحرص على النهج الثوري للخميني، وسط تقارير عن اختلاف رؤية الجانبين في طريقة وكيفية التعاطي مع احداث المنطقة.
5- كيفية التعامل داخليا مع رياح الثورات العربية في الداخل الإيراني، حيث مطالب الأقليات القومية من أكراد وعرب واذريين وبلوش تتعاظم يوميا بعد أخر. ومعروف التوتر السني ndash; الشيعي في المناطق المجاورة لأفغانستان وباكستان، والجميع يتذكر التفجيرات الدموية في زهدان والإعدام السريع لمن قالت إيران أنهم متورطون فيها قبل فترة.
6- زيادة حدة التوتر مع دول الخليج العربي على خلفيات طائفية وحدودية وأمنية وسياسية باتت تشكل تحديا للجانبين في كيفية التعايش على طرفي الخليج والمنطقة .
حتى الآن، ابدت إيران المزيد من الصمود والبراغماتية معا، وهي في ممارستها لهذا الصمود تظهر عامل القوة من خلال التدريبات والمناورات العسكرية المتواصلة، وصلت إلى حد التهديد بإغلاق مضيق هرمز الذي من خلاله يتم تصدير أربعين بالمئة من نفط العالم، فيما تشكل موارد النفط ثمانين بالمئة من مصادر العملة الإيرانية التي تدخل في الموازنة المالية السنوية، بما يعني ان اغلاق هذا المضيق قد يؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإيراني خلال فترة قصيرة جدا. وهو ما يجعل من معادلة القوة معادلة ضعف على صعيد النتائج .
دون شك، هذه التحديات وضعت السياسة الإيرانية بين حديين صعبين، حد التطلع إلى تسوية مع الولايات المتحدة وهو ما ينسف مفهوم الثورة ويفقدها المصداقية، ان حصلت التسوية على الرغم من صعوبة ذلك. وحد الذهاب إلى الصدام وهو خيار مكلف يفتح الباب أمام المجهول .
وفي انتظار اتضاح الأمور والاستحقاقات، فان إيران في الداخل تبدو امام سيناريوهين، أما السيناريو الروسي، أي بيروسترويكا تفتح إيران أمام الخارج، وهو ما يعني الدخول في مرحلة انتقالية مفتوحة على كل الاحتمالات، أو السيناريو الصيني المتدرج في الإصلاح المضبوط مع اختلاف الظروف والنتائج.
تحديات تحت الرماد ماثلة أمام إيران في وقت بات الوقت ينفد والاحداث تتسارع على وقع ثورات الربيع العربي.