قبل بدء الاحتجاجات في سورية وصلت العلاقات بين دمشق وأنقرة إلى مستوى التحالف من خلال بناء شبكة علاقات اقتصادية وتجارية وأمنية وسياسية متينة، بين البلدين. اليوم لا تبدو الصورة مختلفة فحسب،بل ثمة حرب اقتصادية اندلعت بين الجانبين مع انخراط تركيا في موجة العقوبات العربية والدولية ضد سورية ولجوء النظام السوري إلى فرض عقوبات مماثلة ضد تركيا التي تعتقد ان العقوبات الأقتصادية كفيلة بدفع النظام السوري إلى الانهيار من الداخل عبر استنزاف قدراته من جهة،ومن جهة ثانية انعكاس اثر العقوبات على حياة الشعب السوري ومعيشته وبالتالي دفعه إلى الانتفاض في وجه النظام وتحديدا الطبقة الوسطى المتركزة في مدينتي حلب ودمشق،في حين يرى النظام السوري ان تركيا وتحديدا حكومة حزب العدالة والتنمية ستكون متضررة أكثر جراء هذه الحرب الاقتصادية نظرا لأهمية دور موقع سورية في دورة الاقتصاد التركي.

في ترجمة لهذه الحرب،جمدت تركيا خلال الأيام الماضية أصول مالية سورية ( قدرت بـ 110 مليون دولار ) ومنعت العديد من المسؤوليين السوريين من السفر إلى تركيا و وقفت التعامل مع المصارف السورية، دمشق من جهتها ردت على الخطوات التركية هذه بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين وفرض رسوم على الشاحنات التركية العابرة للأراضي السورية إضافة إلى فرض ضريبة على السلع التركية بلغت ثلاثين بالمئة. بداية، ينبغي القول ان الحدود السورية ndash; التركية البرية هي الأطول،إذ تبلغ قرابة 900 كليومترا،وقد اعطت هذه الحدود الطويلة ميزة كبيرة للجغرافية السورية بالنسبة لتركيا، فهي تبدو معبرا حيويا استراتيجيا لتجارتها إلى دول الخليج العربي والأردن ومصر،وعليه يمكن تفسير وجود أكثر من مئة ألف شاحنة تركية تعمل في التجارة وتجارة التزانيت عبر الأراضي السورية، وبلغة الأرقام تقول التقارير ان حجم واردات سورية من تركيا تشكل عشرة بالمئة من مجموع واردات البلاد فيما تشكل واردات تركيا من سورية صفر فاصلة ثلاثة بالمئة،ومع إلغاء تأشيرات الخروج بين البلدين تقول التقارير ان عدد السوريين الذين يزرون تركيا بلغ قرابة مليون سوري نهاية العام الماضي وهؤلاء يشكلون نصف عدد الزوار العرب الذين يزورن تركيا سنويا، وبلغة الأرقام أيضا بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 2،50 مليار دولار وهو يميل لصالح تركيا خاصة بعد فتحت سورية أسواقها أمام البضائع التركية،وقد أدت هذه السياسة إلى إفلاس أكثر من خمسين ألف منشأة سورية بعد أفلاسها، معظمها في مدينة حلب المجاورة لتركيا في حين سجل الاقتصاد تركيا نموا غير مسبوق حيث سجل أعلى معدلات التنمية، بلغ 11 بالمئة في النصف الأول من العام الجاري بعد ان كان يعيش على وقع وصفات صندوق النقد الدولي. البلدان وفي مواجهة هذه الحرب ذهبا إلى البحث عن خيارات بديلة،فسورية باتت تراهن على السوق العراقية لتصريف بضائعها وفي الداخل اتجهت إلى دعم الاقتصاد المحلي لإحياء ما لحق به من خسارة جراء فتح الأبواب على مصراعيها أمام البضائع التركية، وإذا كان مثل هذا الأمر سهلا بالنسبة لسورية حيث التحسن المستمر في العلاقة مع العراق فضلا عن أهمية الدعم الإيراني المالي، فانه بالنسبة لتركيا صعبا، لجهة تأمين خطوط بديلة للتجارة التركية إلى الدول العربية، فالخيارات تتراوح بين العراق والأسكندرية في مصر وربما إسرائيل التي تعاني العلاقة معها فتورا ملحوظا،وفي جميع هذه الحالات فان التكلفة أكثر على شكل أعباء إضافية على الاقتصاد التركي،وهو ما يراهن عليه النظام السوري في إثارة موجة احتجاجات من قبل طبقة التجار ضد حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب اردوغان. في الواقع،من الواضح ان كل طرف يسعى من وراء هذه الحرب الاقتصادية إلى تحقيق أهداف سياسية،تركيا ترى ان النظام السوري وفي ظل العقوبات المفروضة عليه وأخرى منظورة لن يصمد أكثر من سنة وعليه أضحت بما كل ما تحقق وانجز خلال العقد الماضي من اتفاقيات اقتصادية ومشاريع استثمارية وتجارية وتنموية في حين المعركة بالنسبة للنظام السوري هي معركة حياة أو موت.

دون شك،للحرب الاقتصادية هذه ضحايا على جانبي الحدود،وفي المدى المنظور تتجه الأمور نحو المزيد من التفاقم السياسي وسط قناعة سورية راسخة بأن الموقع الجغرافي المميز لسورية في دورة الأقتصاد التركي سيفرز نتائج إيجابية لصالح سورية وخسارة أكيدة للجانب التركي إلى درجة ان هذه القناعة ترى ان العقوبات التركية هي بشكل أو أخر عقوبات لتركيا واقتصادها، فيما القناعة التركية مختلفة،وهي تنطلق من معادلة اسقاط النظام ولو بعد زمن،وعليه ترى أن كل التكاليف محسوبة حتى لو ضحت بما تحقق في السنوات الماضية.