يبدو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تطلعه إلى ولاية رئاسية جديدة في محنة حقيقية. فالرئيس الذي وعد في بداية عهده قبل أكثر من ثلاث سنوات بفتح صفحة جديدة مع إيران وإيجاد حل للقضايا العالقة مع طهران عبر الحوار لم ينجح في ذلك فحسب، بل بات يجد نفسه أمام جملة من الضغوط الداخلية والخارجية وصلت إلى حد اتهامه بالتساهل مع الملف النووي الإيراني.
مع لقاء أوباما ndash; نتانياهو والذي وصف بالحاسم لجهة كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني والحديث عن قرب قيام إسرائيل بعملية عسكرية لتدمير المفاعلات النووية الإيرانية يرى أوباما نفسه أمام نوعين من الضغوط:
الأول: ضغط الداخل المتمثل بالجمهوريين الذين يهاجمون أوباما من نافذة النووي الإيراني وإظهاره كرئيس ضعيف لا يقوي على اتخاذ القرار بشأن ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، وبالتالي عرض الأمن القومي الأمريكي للخطر. وبغض النظر عن حقيقة هذا الاتهام ودوافعه فأنه يؤثر على قناعة الناخب الأمريكي واتجاهات التصويت في المعركة الانتخابية.

الثاني: ضغط الخارج المتمثل بإسرائيل التي لها نفوذ قوي داخل الولايات المتحدة حيث اللوبي اليهودي ومنظمة الإيباك المتغلغة في مفاصل الحياة الأمريكية ونفوذها الانتخابي الواسع في البلاد، وترى هذه الأطراف معا ان أوباما غير مكترث بأمن إسرائيل والخطر المحدق بها بسبب النووي الإيراني الذي اقترب من مرحلة الحصانة كما يقول المسؤولون الإسرائيليون.

ومع أن أوباما الذي أتبع خلال عهده استراتيجية العقوبات التصعيدية ضد طهران يجد صعوبة كبيرة في خياره هذا، ويرى نفسه أمام معضلة حقيقية الا أنه يبدو لم يعدم الوسائل بعد للاستمرار في نهجه، وعليه تحدث في كلمته أمام المؤتمر السنوي لإيباك وعشية لقائه بنتانياهو عن القناعة الراسخة بتحقيق النجاح عن طريق دبلوماسية الضغط. ليبقى السؤال ما الذي يملكه أوباما لإقناع نتانياهو بوجهة نظره وعدم قيام إسرائيل بضربة عسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية على غرار ما جرى للمفاعل النووي العراقي في يونيو 1981 وللمفاعل النووي السوري المزعوم في دير الزور عام 2007؟
هناك من يتحدث عن ثلاثة عوامل قوية بيد أوباما، وهي:

1- تقدير المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخباراتية الأمريكية التي تقول أن مسافة الآمان لانتاج إيران قنبلة نووية مازالت موجودة، وأن هذه المؤسسات تتابع الأمور لحظة بلحظة، وأن مسألة تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين بالمئة لا يعني بالضرورة قدرة إيران على صنع قنبلة نووية .

2- القناعة الأمريكية الرسمية التي تقول إنه حتى لو أمتلكت إيران قنبلة نووية فأن واشنطن قادرة على التعامل معها، وهنا ثمة خلاف في وجهتي النظر الأمريكية والإسرائيلية، فخلافا للرؤية الأمريكية بالقدرة على التعامل مع قنبلة نووية إيرانية ترى إسرائيل أنها لا تستطيع أو لا تتحمل وجود إيران نووية وأن قدراتها العسكرية غير القدرات الأمريكية،وعليه تريد تدمير المفاعلات النووية الإيرانية مسبقا كي لاتجد نفسها في يوم من الأيام وقد أصبح الكابوس حقيقية .

3- أمام المعضلة السابقة، ثمة من بات يتحدث عن ( قنبلة البنتاغون ) الكفيلة بإقناع أوباما لنتانياهو بوجهة نظره، وتقول المعلومات ان هذه القنبلة المسماة بـ GBU -57 ووزنها 13.6 طن يمكنها ان تخترق إلى عمق 60 مترا تحت الأرض قبل ان تنفجر وتخترق التحصينات الأسمنتية وموجهة بواسطة جي بي س، وهي القنبلة الأولى من نوعها والتي يبدو أنها صممت لضرب المفاعل النووي الإيراني الأكثر تحصينا،أي بوردو قرب قم كما يقول الخبراء.
في الواقع، مع هذه الأوراق القوية بيد أوباما يبدو ان الجدل الأمريكي ndash; الإسرائيلي بشأن ضرب المفاعلات النووية الإيرانية بات أمام مرحلة جديدة، وعليه فان توقيت لقاء أوباما ndash; نتانياهو لم يكن من دون دلالات مدروسة أمريكيا على الأقل، ولعل أولى هذه الدلالات تلك الرسالة الأمريكية التي تقول ان تقدير الإستخبارات الإسرائيلية بشأن الحصانة النووية لإيران قد لا تكون دقيقة هذا من جهة. ومن جهة ثانية القدرة الأمريكية الكاملة على تدمير هذه المفاعلات حتى لو نجحت إيران في صنع قنبلة ذرية وفي جميع الأحوال فأن واشنطن لن تسمح بذلك.
يرى البعض ان قنبلة البنتاغون قد تقنع نتانياهو بوجهة نظر أوباما في كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني في المرحلة المقبلة، ولكن ماذا لو لم يقتنع الرجل بهذه الرؤية و وجد هو الأخر نفسه أمام دوافع شعبية وحزبية وانتخابية في الداخل والأهم تقديرات أجهزته الاستخباراتية؟