بعد عشرة أعوام من المفاوضات بين الدول الكبرى وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني ثمة سؤال جوهري يطرح نفسه، وهو هل ستكون مفاوضات اسطنبول مختلفة؟
ربما يراود العديد من الدول الكبرى ان العقوبات الاقتصادية والتي وصلت إلى المجالات المالية والنفطية ستدفع بإيران إلى تقديم تنازلات جوهرية في ملفها النووي خاصة بعد حديث كبير مفاوضيها سعيد جليلي عن مقترحات جديدة دون أن يعلن عنها الا ان المتابع لاستراتيجية التفاوض الإيرانية والتي كثيرا ما تقارن بطريقة صنع السجادة الإيرانية في إشارة إلى المدة الزمنية الطويلة التي تتطلب إنجازها، سيرى ان إيران تٌقدم على المفاوضات كلما رأت ذلك مناسبا دون ان تقدم تنازلات حقيقية، فلاءاتها معروفة : لا وقف لتخصيب اليوراينوم، نعم لإنجاز البرنامج النووي حتى النهاية، نعم للمزيد من المفاعلات النووية مهما كانت الضغوط والعقوبات. في المقابل للغرب ومعه إسرائيل لاءاتهما المعروفة، وهي تتلخص في مقولات : لن نقبل بإيران نووية، كل الخيارات مطروحة على الطاولة إذا فشلت الخيارات السياسية المرفقة بالضغوط السياسية والعقوبات، لكن اللافت على هذه الجبهة تلك القناعة الإسرائيلية المتصاعدة بأن أسلوب العقوبات لم يعد مجديا، وان إيران تستغل المفاوضات لتمرير المزيد من الوقت من أجل امتلاك القنبلة الذرية لتصبح دولة نووية بحكم سياسة أمر الواقع، وعليه بات الحديث الإسرائيلي عن ضرب المفاعلات النووية الإيرانية وكأنها مسألة عاجلة لم تعد تقبل التأجيل، فهي ترى لا إمكانية للتعايش مع إيران نووية،حيث شكل هذا الأمر جدلا أمريكيا ndash; إسرائيليا طوال الأشهر الماضية.
في الواقع، يمكن القول ان مفاوضات اسطنبول تجري في ظل عاملين مهمين :
الأول: الاحتقان الشديد بين إيران والغرب بعد أن ضاعفت إيران من كميات تخصيب اليورانيوم لدرجة عشرين بالمئة والحديث عن بعد عسكري لبرنامجها النووي كما جاء في التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ تبدو الأزمة وكأنها وصلت إلى حد التصعيد والانفجار، وبالتالي المطلوب أم الانفجار أو تأجيل الانفجار عبر مقترحات جديدة تظهر إيجابية المفاوضات حتى كمجرد خطوات دون التوصل إلى حل أو نتائج حقيقية. فالثابت أن كل طرف يتمسك بمواقفه وما تبقى عبارة عن مساحة للمناورة والحوار من أجل منع الانفجار لأسباب تتعلق بظروف كل طرف حيث الإدارة الأمريكية مشغولة بالانتخابات الرئاسية ومنكفئة على أزماتها المالية الداخلية، ويعرف الجميع انه في النهاية لا مجال لأي تحرك ضد إيران دون قرار أمريكي.
الثاني: ان عقد المفاوضات في اسطنبول يأتي في ظل توتر تركي ndash; إيراني غير مسبوق على خلفية العديد من القضايا الخلافية ولاسيما الملف السوري ونشر تركيا الدروع الصاورخية على أراضيها وتنافس البلدين على العراق والمنطقة في إطار صراع قديم ndash; جديد يتداخل فيه الابعاد الطائفية بالمصالح الاقتصادية والأدوار السياسية والتطلع إلى الدور والنفوذ والمكانة والسيطرة. ومع قناعة كل طرف بأن الطرف الأخر بات يقف في المعسكر المضاد له، يمكن القول ان اسطنبول لم تعد المكان المناسب لمثل هذه المفاوضات، وكلنا نتذكر الانتقادات القوية لرجب طيب اردوغان للقيادة الإيرانية عقب زيارته الأخيرة لطهران قبل نحو أسبوع واتهامه لها بأنها غير صادقة في وعودها وتفاوضها بشأن ملفها النووي، ومن ثم رد طهران القوي على انتقادات اردوغان واقتراحها نقل المفاوضات إلى بغداد أو حتى إلى العاصمة الصينية بكين في إشارة إلى انعدام الثقة مع تركيا، فيما صحافة البلدين باتت تتحدث عن إنتهاء شهر العسل بين الجانبين والانتقال إلى حالة من الحرب الباردة في ساحات المواجهة العديدة.
في ظل هذه المعطيات، لا يمكن توقع ما هو جوهري من مفاوضات اسطنبول بين إيران والدول الكبرى، ربما المتاح هو الاتفاق على جولة جديدة من المفاوضات أو الإعلان عن خطوات شكلية على شكل اتفاق أولي، من نوع اعتراف الدول الكبرى بحق إيران في الحصول على اليورانيوم دون الدخول في التفاصيل مقابل موافقة إيران على استقبال المزيد من المفتشيين لمواقعها النووية وعدم السعي إلى صنع السلاح النووي وغيرها من القضايا العامة التي سرعان ما ستنهار عند أول امتحان حقيقي لجهة الممارسة، فغياب الثقة بين الجانبين عميق، وكل طرف له أجندة ومواقف مختلفة عن الأخر، والتهديد الغربي الدائم بفرض عقوبات أشد ضد طهران لن يثن الاخيرة عن المضي في برنامجها النووي، وعليه جل ما يمكن توقعه من مفاوضات اسطنبول هو تأجيل الانفجار لا أكثر.