منذ بدء الأزمة السورية لم يتوقف الحديث عن سيناريوهات للخروج من هذه الأزمة التي تقترب من دخولها شهرها السادس عشر، البعض تحدث عن السيناريو اليمني وأخر عن الليبي وثالث عن كوسوفو .. ولكن من الواضح ان جميع هذه السيناريوهات تبدو واقفة في مطابخ السياسة الدولية ومصالح الدول الكبرى وصفقاتها المحتملة، كل هذا وسط قناعة بأن الأزمة وصلت إلى نقطة اللاعودة، بعد أن قطعت إمكانية الحل السلمي خاصة مع مضي الوقت على مبادرة المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان دون يتحقق حتى البند الأول منها، أي وقف العنف.
دون شك، الحديث عن السيناريوهات يدخل في إطار التحليل السياسي انطلاقا من الوقائع واختلاف الرؤى في ظل غياب الحل، فثمة قناعة واسعة بأن الغرب وتحديدا الولايات المتحدة غير مستعدة لخيار التدخل العسكري في سورية على غرار ما جرى لليبيا، فالإدارة الامريكية مشغولة بالانتخابات الرئاسية وهي تعاني من أزمة مالية متفاقمة حيث أعباء وتداعيات تجربتي أفغانستان والعراق تلاحقها، ويعرف الجميع انه دون قرار أمريكي لا تدخل عسكري دولي ، خاصة في ظل الموقف الروسي والصيني الرافض لمثل هذا التدخل. ومع استبعاد الخيار العسكري على الأقل في المرحلة الراهنة، يحضر السيناريو اليمني إلى سدة المشهد السياسي، وقد كان لافتا كشف صحيفة ( نيويورك تايمز ) عن مباحثات أمريكية ndash; روسية لتطبيق الحل اليمني في سوريا، وكذلك تكثيف الغرب لجهوده تجاه موسكو بهدف التأثير على موقفها ولاسيما لجهة دعمها للنظام السوري، وعليه من الواضح ان الجهد الغربي ينصب في المرحلة المنظورة على تغيير الموقف الروسي، على شكل إمكانية التوصل إلى صفقة محتملة بشأن الملف السوري عبر مصالح متبادلة لها علاقة بمنظومة الدرع الصاروخي والملف النووي الإيراني وغير ذلك من القضايا الاستراتيجية التي تشكل مثار خلاف بين الجانبين.
دون شك، أي تغير في الموقف الروسي قد يحدث تطورات دراماتيكية في مسار الأزمة السورية خاصة في ظل رفض النظام السوري للسيناريو اليمني حيث اختلاف رأس النظام ومنظومته الأمنية والظروف والمعطيات سواء لجهة النظام أو المعارضة أو حتى الظرف الإقليمي خاصة وان لا حوار بين النظام والمعارضة وتحديدا المجلس الوطني.
ينطلق أصحاب هذه القناعة من أن النظام السوري الذي له منظومة أمنية وسياسية وايديولوجية سيواصل نهجه الأمني السابق حتى النهاية، فهو لن يقبل بأي حل خارج رؤيته ونهجه أو يمهد لنهايته، وعليه فان مسار البحث عن حل سياسي للأزمة من نوع خطة عنان أو حتى الحل اليمني أو حتى جهود موسكو لعقد حوار بين النظام والمعارضة... سيصل إلى طريق مسدود، وإلى حين اتضاح الأمور أكثر من الواضح أن الدول الغربية ستصعد من ضغوطها السياسية والاقتصادية ( المزيد من العقوبات ) ضد النظام السوري وصولا إلى عزله بشكل كامل أملا في دفعه إلى الانهيار أو حدوث انشقاقات ضخمة ومؤثرة، وفي الداخل من الواضح ان وتيرة أعمال القتل وارتكاب المجازر والفوضى والتدمير في أزدياد، ومن شأن أزدياد وتيرة هذه الأعمال تحفيز الدول الغربية ولاسيما فرنسا وبريطانيا وألمانيا بدعم تركي وخليجي إلى دفع الخيار العسكري على طاولة مجلس الأمن الدولي، ولعل التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند بشأن إمكانية التدخل العسكري شرط أن يكون في إطار الأمم المتحدة، توحي بأن مثل هذا التوجه سيأخذ المزيد من الجهد في الأيام المقبلة، وهذا مسار وجهد ينتظران القرار الأمريكي في وقت بات مسؤولوا البنتاغون يعلنون عن استعداداهم وجاهزيتهم للخيار العسكري، ورغم حراجة هذا الخيار للرئيس باراك أوباما الذي يحرص على عدم اتخاذ قرارات من هذا النوع قد تؤثر سلبا على تطلعه لولاية رئاسية ثانية، فان وصول الأزمة السورية إلى نقطة حرجة باتت تصف بنقطة اللاعودة قد تدفعه إلى الانخراط في هذا الخيار، خاصة إذا لجأ الجمهوريون إلى استغلال هذا الملف ضده في الحملات الانتخابية. دون شك، اعتماد هذا الخيار انطلاقا من الفصل السابع لا يمكن دون معالجة أو إزالة الاعتراض الروسي ndash; الصيني في مجلس الأمن ، ومثل هذا الأمر يحتاج إلى صفقة بين واشنطن وموسكو، صفقة يرى المتابعون أن التوقيت الحالي غير مناسب لأمريكيا، لأنها ستعطي دورا استقطابيا لروسيا في العديد من قضايا السياسة الدولية ولاسيما الملف النووي لكل من كوريا الشمالية وإيران و قضية انظمة الدروع الصاورخية، وهو ما يطمح إليه القيصر فلاديمير بوتين العائد إلى الكرملين من جديد. وعليه، ثمة من يرى أن مآل الجهد الجاري على خط واشنطن ndash; موسكو بخصوص الأزمة السورية سيتواصل إلى حين الانتخابات الأمريكية،وان الادارة الأمريكية غير مستعدة لاعطاء المزيد من الدور لروسيا في السياسة العالمية في المقابل فان الفيتو الروسي سيتواصل في مجلس الأمن ، بما يعني ان الخيار العسكري مستبعد في المرحلة الحالية، وفي أفضل الحالات فان الجهد الأمريكي - الرروسي قد تكون نتيجته شكلا من اشكال الحل اليمني، خاصة إذا تغيرت مواقف الأطراف الداخلية للأزمة السوريه، أي النظام في قبوله بعقد سياسي اجتماعي جديد لسورية والمعارضة في قبولها بالحوار معه انطلاقا من المحدد الإقليمي والدولي للأزمة والذي يحرص على حل سياسي يجنب المنطقة من الدخول في المجهول ويضع حدا للمأساة في سورية. رغم استبعاد هذا السيناريو والذي يعني الذهاب إلى الخيار العسكري دون قرار دولي وفقا للفصل السابع، فان ثمة من يعتقد ان هذا الخيار ممكن، وهؤلاء يرون ان المراوحة في المكان لم تعد ممكنة في ظل هول ما يحدث في سوريا، وان الضمير العالمي يجب ان لا يتوقف على العلاقات الدولية والحسابات السياسية للدول والأنظمة، وهنا تتجه الأنظار إلى كل من فرنسا وبريطانيا، فسبق وان تحدث وزير الخارجية الفرنسي السابق آلان جوبية مرارا عن خيار كوسوفو عام 1999 وكذلك رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عندما قال ان سابقة كوسوفو تظهر أن الفيتو الروسي لن يمنع إصدار مبادرة تحت عنوان ( حل عادل أخلاقيا )، وعليه، يمكن القول ان ثمة قناعة لدى باريس ولندن و ربما غيرها من العواصم بأن مجلس الأمن الدولي ليس وحده المخول بإصدار قرار بالتدخل العسكري، ولعل ما قد يعزز مثل هذا التوجه هو تعذر تنفيذ خطة المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان أو عدم حصول انفراج في الأزمة تحت ظرف ما، واستمرار التصعيد على الأرض، حيث توحي كل هذه المؤشرات بأن الأمور ستسير على هذا النحو في المرحلة المنظورة . يكمن القول أن جميع السيناريوهات السابقة متداخلة ومترابطة، فهي تتقاطع لتلتقي هنا أو هناك أو العكس، كما أن كل واحدة تحمل رصيد للأخر بهذا القدر أو ذاك، الا ان الحديث عن السيناريوهات السابقة ليس سوى من باب تحليل المشهد الدولي السائد ومواقف الدول الكبرى وسياساتها، وهو ما يعني أن أي من السيناريوهات السابقة قد لا يجد طريقه إلى التنفيذ، وهذه معادلة بالغة الخطورة لأنها ببساطة تعني السيناريو الأخر الذي بدأ يطل برأسه على وقع المجازر التي ترتكب هنا أو هناك،أي سيناريو الحرب الأهلية بل وحتى التقسيم، فمع وصول الأزمة السورية إلى نقطة اللاعودة بدأت سوريا تغرق في الدماء والحرب الأهلية ومقدمات التقسيم، وهذا السيناريو يقرب سوريا من الصوملة و الأفغنة. ولعل ما يمهد الطريق أمام هذا السيناريو هو ثلاثة أسباب رئيسية. أولا : الموقف الدولي الذي لا يسمح إلى الآن بتوافق على شكل من اشكال الحل بغض النظر عن مضمونه. ثانيا: خروج العديد من المناطق السورية من تحت سيطرة قوات النظام . ثالثا: حصول ما يشبه حالة عسكرة للمجتمع السوري وتدفق السلاح إليه بقوة. هذه العوامل والأسباب مجتمعة هيأت المقدمات اللازمة للحرب الأهلية وربما اعلان رسمي من عنان أو من المجتمع الدولي بفشل خطة عنان قد تطلق العنان لهذا الحرب التي سيكون وقعها على سورية ومستقبلها أشد فتكا ودمارا من أي سيناريو أو شيء أخر.