جاء اسقاط الطائرة التركية في المجال الجوي السوري في توقيت فاصل، سواء لجهة ازدياد حدة التوتر في العلاقات التركية - السورية أو على صعيد وصول الأزمة السورية إلى منعطف حاسم.
بالتأكيد الاختراق التركي للأجواء السورية ليس الأول من نوعه ولكن اسقاط الطائرة التركية كان الأول من نوعه، وهو ما يعني ان العلاقات بين الجانبين دخلت مرحلة شديدة الخطورة خاصة إذا نفذت تركيا تهديداتها بأن مسألة اسقاط الطائرة لن تمر هكذا دون رد.
في الواقع، الصدام الجوي الذي حصل بين البلدين كان ترجمة للتوتر الجاري على الأرض خاصة في ظل احتضان تركيا للمعارضة السورية السياسية والعسكرية، وقد أزدادت حساسية النظام السوري إزاء هذا الأمر بعد نشر صحيفة نيويورك تايمز تقرير يتحدث عن ان تركيا انخرطت في دعم المعارضة السورية بمختلف أنواع الأسلحة وقيام مجموعات من الاستخبارات الأمريكية على الحدود التركية السورية بنشاط ملحوظ وخطوات أمنية تتعلق بالممرات وغيرها. وكل هذا كاف إلى أن يحرك النظام السوري الاصبع الموجود على الزناد ضد أي حركة تأتي من الأراضي التركية سواء من البر أو البحر أو الجو، بل ربما في العمق يطمح إلى جر تركيا إلى حرب إقليمية لقناعته بأن تركيا ستكون رأس الحربة في السيناريوهات الحربية التي تعد لها واشنطن إذا لم يسقط النظام أو يرحل بحلول الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
في الواقع، ربما كان هدف الاختراق الجوي التركي للأجواء السورية هو اختبار قدرة الدفاعات الجوية السورية خاصة بعد الأخبار التي تحدثت في الفترة الأخيرة عن نشر سورية منظومة صاروخية متطورة في المنطقة الحدودية مع تركيا وتحديدا في المنطقة التي جرت فيها اسقاط الطائرة التركية،وإذا كان الأمر كذلك في هذا التوقيت الحساس، فانه لا يمكن النظر إلى حصول ذلك دون تنسيق تركي ndash; أمريكي نظرا للتنسيق الكبير بين الجانبين بخصوص الأزمة السورية والحديث عن سيناريوهات وغرف تخطيط مشتركة بينهما.
دون شك، الرسالة التركية من اختراق الأجواء السورية كانت واضحة وهي أنها بالفعل تحولت إلى رأس حربة لأي حرب مقبلة ضد سورية إذا ما قررت الإدارة الأمريكية ذلك في لحظة ما من فصول الأزمة السورية ، في المقابل، فان الرسالة السورية كانت واضحة وحاسمة،وهي الجهوزية والاستعداد لكل الاحتمالات وأنها لن تكون ليبيا جديدة، وبالنسبة لتركيا تحديدا فكانت أكثر من رسالة، بل في الحقيقة رسالة مزدوجة تراوحت بين التحذير من الاستمرار في الدعم العسكري للمعارضة السورية وبين ضرورة الكف عن القيام بدور المخفر الأمريكي المتقدم المحور السوري ndash; الإيراني - الروسي . انتهى الاختبار الجوي الذي جرى بحسم سوري ينشد ما بعده، مقابل ارتباك تركي وتردد ينشد الاطلسي وينتظر الضوء الأخضر الامريكي الاصفر، فالتصريحات التركية كانت متواترة ومتناقضة، سواء لجهة الإعلان عن إسقاط الطائرة أو سقوطها نتيجة عطل فني، أو لجهة تقديم سورية اعتذار أو عدم تأكد ذلك رسميا، أو حصول اختراق المجال الجوي السوري أو عدمه.
مع التأكيد على ان اسقاط التركية ادخلت العلاقات بين الجانبين مرحلة الحرب، فانه يمكن القول ان التوقيت لم يكن لصالح اللاعب التركي الذي يدرك ان قرار التحرك منفردا ضد النظام السوري سيكون مكلفا جدا في ظل غياب قرار دولي بالتدخل العسكري من جهة، ومن جهة ثانية لعلاقة النظام السوري بكل من اللاعبين المهمين المجاورين لتركيا، أي إيران وروسيا، وبالتالي فان تداعيات حرب إقليمية قد تلحق خسارة استراتيجية كبيرة بتركيا لكن الثابت ان الأخيرة ستزيد من جرعة الدعم للمعارضة السورية إلى ان حين يخضر الضوء الأصفر في واشنطن.