ربما كان يتوقع البعض ان يكون رد فعل تركيا على اسقاط سورية طائرة لها مغايرة تماما لما جرى، ولعل سبب ذلك هو ان تركيا ومنذ بدء الأزمة السورية انتهجت خطابا تصعيدا أوحى في كثير من اللحظات بأنها على أهبة الاستعداد للتدخل عسكريا إذا ما توفرت حجة لها، بل ان اردوغان ذهب أبعد من ذلك عندما قال مرارا ان الشأن السوري شأن تركي داخلي وأكد انه لن يسمح بتكرار حماه ثانية.
ومع ان لهجة التصعيد التركية تراجعت في الفترة الأخيرة وظهرت تركيا كنمر من ورق الا ان حادثة اسقاط الطائرة التركية بنيران المضادات الجوية السورية أربكت تركيا سياسيا إلى ان طلبت أنقرة وبعد 48 ساعة من الحادثة من الحلف الاطلسي الاجتماع بموجب المادة الرابعة من معاهدة ميثاق الحلف والتي تنص على التشاور في حال تعرض أراضي أي من دول الاعضاء أو استقلالها السياسي للتهديد، حيث ينص ميثاف الحلف على الدفاع عن أي بلد عضو من الحلف يتعرض للهجوم.
دون شك، التوجه التركي للاطلسي يمثل تطورا أمنيا مهما خاصة بعد ان وضعت بريطانيا طائراتها في حالة تأهب تحسبا لشن أي هجوم ضد سورية في حال قررت تركيا التصرف عسكريا كرد على إسقاط الطائرة، وهو ما يعني ان اجتماع بروكسل لدول الحلف سيكون منعطفا جديدا في تعامل الحلف مع الأزمة السورية بعد ان أعلن الحلف طوال الماضية انه ليس بصدد التدخل عسكريا في هذه الأزمة، ومع أن الحلف وحسب نظام العمل لديه لن يعلن سوى انه ضد تهديد أمن وسيادة أي عضو من اعضائه الا ان الحصيلة ستكون وضع خطط الخيار العسكري على الطاولة.
في الواقع، سياسة الاستنجاد التركية بالاطلسي من قبل القيادة التركية تبدو لها مبررات داخلية تركية، فالمعارضة التركية على خلافات شديدة مع حكومة اردوغان، وثمة من يتحدث عن أزمة ثقة بين حكومة اردوغان والمؤسسة العسكرية، وهو ما يعني صعوبة الاقدام على أي خيار عسكري في ظل هذا الخلاف بين المؤسستين (السياسية والعسكرية).
وعليه، فان اللجوء إلى الأطلسي كان الخيار الوحيد المتاح أمام حكومة اردوغان للرد على حادث اسقاط التركية. لكن السؤال هنا كيف سيكون رد الاطلسي؟ وهل يمكن ان يلجأ إلى الخيار العسكري بعد ان نفى ذلك طويلا؟ وهل استخدام مثل هذا الخيار سيكون خارج قرار دولي حيث الفتيو الروسي الجاهز؟ وإذا ما لجأ إلى هذا الخيار فكيف ستكون المواجهة في ظل وجود لاعبين إقليميين ودوليين (إيران روسيا) يقفون بقوة مع النظام السوري؟ يرى البعض ان أي قرار بالتدخل العسكري بسبب اسقاط الطائرة التركية سيكون لصالح النظام السوري الذي قد يجد فيه طوق نجاة لدفن الأزمة داخليا ودفعها نحو حرب إقليمية وربما دولية في ظل ردود الفعل المحلية والإقليمية المحتملة (إيران، روسيا، حزب الله، العراق، الصين) حيث الحديث الروسي عن ان من الوضع السوري سيولد النظام العالمي الجديد،وعليه فان حسابات الاطلسي ستكون دقيقة وربما بعمق التفكير بالتداعيات المحتملة .
في الواقع، ينبغي القول ان سياسة الاستنجاد التركي بالحلف الأطلسي جاء بعد الفشل في إقامة منطقة أمنية عازلة داخل الأراضي السورية تكون بمثابة بنغازي سورية، وبعد فشل المواعيد والفرص التي اعطاها اردوغان لاسقاط النظام، وعليه فان اللجوء إلى الاطلسي يبدو وكأنه تعبير عن أزمة داخلية تركية أكثر من كونه جلب التدخل العسكري في الأزمة السورية، فهذا الأخير (قرار التدخل العسكري) لا يمكن ان يكون الا وفقا للتوقيت الأمريكي المرتبط بالانتخابات الرئاسية.