لماذا تحولت مدينة رأس العين في أقصى شمالي شرق سوريا إلى ساحة معركة ساخنة بين كتائب مسلحة من الجيش الحر وجبهة النصرة من جهة واللجان الشعبية الكردية التي تقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من جهة ثانية؟ وكيف يمكن النظر إلى توقيت تفجير هذه المعركة في الوقت الذي كانت فيه الأنظار تتجه إلى المواجهات الجارية في محافظتي دمشق وحلب؟ وهل هي في إطار السعي إلى إسقاط النظام أم أنها حرب بالوكالة تصب في خدمة أجندة إقليمية؟
بداية، يبنغي القول إن هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه المواجهات، فسبق وان اندلعت مواجهات بين الجانبين قبل نحو شهرين انتهت بالاتفاق على تهدئة قبل ان تعاود الكتائب المسلحة الهجوم على المدينة، وهذه المرة بالدبابات والمدافع، منها كتائب قدمت من تركيا حيث لا تبعد المدينة سوى مئتي متر عن الحدود التركية، ولعل الهجوم على هذا النحو على المدينة عزز من القناعة لدى الأكراد بأن هذه الكتائب المسلحة أصبحت أداة للسياسة التركية خاصة وان المدينة لا وجود للجيش النظامي السوري فيها وكذلك لا مقار أمنية او عسكرية للنظام ، فلماذا مثل الهجوم؟
في الواقع، ثمة من يعتقد أن الهجوم على مدينة رأس العين يحمل معه مجموعة من الأهداف والدوافع، لعل أهمها :
الأول ndash; ان السيطرة على رأس العين يعني ان الطريق للسيطرة على باقي المدن في المناطق الكردية ولاسيما القامشلي أصبحت معبدة للوصول إلى الهدف الإستراتيجي، أي وضع اليد على حقول النفط والغاز في رميلان وكراتشوك والسويدية... وصولا إلى الحدود العراقية، وهو ما يعني تأمين المال اللازم لشراء الأسلحة وتأمين الحاجات اللازمة عبر تصدير النفط إلى تركيا.
الثاني ndash; ان السيطرة على هذه المنطقة تعني قطع الطريق من الآن على إمكانية قيام إقليم كردي أخر على غرار إقليم كردستان العراق وفرض بنية سياسية اجتماعية محددة في المنطقة تحمل طابع إيديولوجي محدد عبر الجماعات الجهادية والسلفية المتشددة، علما ان المنطقة هي منذ القدم في تعايش اجتماعي بين الأكراد والعرب والآشوريين...، مسلمين ومسيحيين وحتى يهود قبل ان يهاجر معظمهم إلى الخارج في الثمانينات من القرن الماضي بعد ان سمح لهم بذلك، والمنطقة تعيش في تعددية وعلمانية طبيعية متجسدة على الأرض، ثقافة وسلوكا وممارسة.
الثالث ndash; الاعتقاد بأن من شأن فتح جبهة جديدة في هذه المنطقة البعيدة عن العاصمة يعني تشتيت القدرات العسكرية للنظام التي باتت تتركز بشكل أساسي في دمشق وحلب، وذلك عبر جر النظام إلى المواجهة العسكرية في هذه المنطقة التي بقيت هادئة نسبيا عن المواجهات العسكرية الدموية، مقابل تميزها بالحراك السياسي السلمي.
لكن الثابت، ان هذه الدوافع المحملة بالمدافع حملت معها مخاطر كثيرة وكبيرة على الجميع، لعل في مقدمتها، تحويل الحراك الجاري إلى نزاع قومي عربي ndash; كردي وتفجير البنية الاجتماعية في المنطقة بما يرشح الوضع لنشوب حرب أهلية طاحنة خاصة وان البنية الاجتماعية في هذه المنطقة هي بنية قبلية عشائرية حزبية. الأمر الثاني ان مثل هذا الهجوم عمق من الشكوك الكردية بقوى المعارضة السياسية ( الائتلاف الوطني ) والعسكرية ( الجيش الحر )، فعلى الرغم من مناشدة الأحزاب والقوى الكردية لهذه المعارضة بتحديد موقفها من الهجوم على رأس العين الا أنها بقيت شبه صامتة باستثتاء تصريحات قليلة غامضة أقرب إلى تغطية الهجوم سياسيا، وهو ما عزز من القناعة لدى الأكراد بأن هذه المعركة ليست سوى مقدمة للتخلص منهم كوجود قومي وبالتالي حقوق منظورة في سوريا المستقبل، وفي العمق، فان ثمة قناعة كردية عميقة بأن هذه الكتائب تخوض الحرب بالوكالة عن تركيا، وهو ما أدى عمليا إلى توحيد الصفوف الكردية خلف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي خاض هذه المعركة بشراسة، وبالنتيجة أنضم مئات الشباب الأكراد إلى صفوف الحزب في معركة الدفاع عن الوجود والمطالب. وعلى المستوى الإنساني، فان هذه المواجهات عمقت من الأزمة الأمنية والمعيشية في محافظة الحسكة خاصة وان عشرات آلاف النازحين قدموا إليها من ادلب ودير الزور وغيرها من المحافظات التي شهدت مواجهات دموية بين الجيشين النظامي والحر.
في الحقيقة، الذي ينبغي قوله هنا، هو ان الطريق لإسقاط النظام السوري لا يمر عبر رأس العين، ودعم تركيا للمعارضة السورية المسلحة والسياسية لا يشرع لها بأن تتحول إلى أداة لها لخوض الحروب عنها بالوكالة، وعلى تركيا التي تدافع عن حقوق الإنسان في الويغور وبورما وتحارب الأكراد حتى في أفريقيا أن تدرك أن مشكلتها الكردية تحل في أنقرة وليس في رأس العين، وعليه، فان ما جري في رأس العين وخاصة بالنسبة للأكراد لم يكن مجرد مواجهة بين اللجان الشعبية الكردية وكتائب الجيش الحر وجبهة النصرة، وانما معركة استراتيجية كبرى بكل ما للكلمة من معنى، هدفها رسم صورة المستقبل لما ستكون عليها سوريا المستقبل، والتي بدأ الأكراد يحشدون لها المزيد.