من شوارع شبرا المكتظة بالمكتبات القديمة إلى منازل المشاهدين العرب، حكاية مجدي صابر ليست فقط قصة كاتب وسيناريست، بل هي شهادة على قوة الشغف عندما يقود صاحبه إلى القمة.
حوار- أحمد سميسم من بغداد: منذ طفولته وهو صديق للكتاب، فكان يرتاد دائماً المكتبات القديمة الواقعة في حي شبرا في القاهرة فكان يصرف كل ما لديه من أموال على شراء وتبديل الكتب، لم يكن قاصداً بأن يصبح كاتباً روائياً أو سيناريست إلا أن شغفه في القراءة قاده الى منطقة الكتابة.
كانت أولى محاولاته في الكتابة عندما كان في الصف الخامس الابتدائي فكتب مسرحية (الفنار)، يمتلك خيالاً وأفقاً واسعاً يسطر ما يجول في رأسه من أفكار وقصص واقعية على الورق لتظهر للمتلقي حكاية درامية جميلة لا تخلو من المتعة والتشويق.
هو ابن مصر وأزقتها القديمة الحامل قضاياها الاجتماعية فوق كتفه لذا كانت معظم أعماله التلفزيونية معجونة بواقع الشارع العربي وما يحتويه من صراعات وأزمات ومعالجات في ذات الوقت.
حازت أعماله التلفزيونية على جوائز عديدة كما أنها حازت على مشاهدة وصدى كبيرين في العالم العربي، ومن أعماله التلفزيونية، مسلسل الرجل الآخر، مسلسل للعدالة وجوه كثيرة، مسلسل ليلة السقوط، مسلسل العائلة والناس، مسلسل يا ورد مين يشتريك، مسلسل أين قلبي، مسلسل سلسال الدم.
* بداية ما الشرارة الأولى التي أوقدت موهبة الكتابة لديك كيف ومتى كانت الحكاية.. حدثنا؟
- أنا أعتقد أن الكتابة جاءت إفرازاً طبيعياً للقراءة كون من طفولتي كنت قارئاً نهماً حيث عشت في حي شبرا في القاهرة وهو حي شعبي وقديم وفيه الكثير من المكتبات القديمة، وكان سعر الكتاب حينها رخيصا وكنت أصرف كل ما لدي من أموال على شراء الكتب وتبديلها بكتب أخرى لم أقرؤها، لذلك هذه الحصيلة من القراءات المبكرة هي من صنعت الكاتب مجدي صابر، وبصراحة انا لم أتخيل أو قاصداً بأنني سأصبح كاتبا روائيا أو سيناريست في يوم ما، الموضوع جاء من دون تخطيط مسبق.
* ما أول سيناريو كتبته في حياتك؟
- أولى محاولاتي في الكتابة كانت في سن الـ 11 سنة في الصف الخامس الابتدائي، وكانت وزارة التربية والتعليم أعلنت عن مسابقة لكتابة مسرحية قصيرة في مدارس القاهرة الابتدائية، فكتبت مسرحية عن العدوان الثلاثي على مصر وكفاح شعب (بور سعيد)، وأسميت المسرحية بعنوان (الفنار)، نسبة الى فنار بور سعيد الذي يعد من أهم معالم المنطقة، وحصلت المسرحية على جائزة آن ذاك، أما المحاولة الثانية فكانت في عمر 15 سنة عندما كتبت رواية بوليسية عن سرقة المتحف المصري، بعدها تعاقدت مع عدد من دور النشر المصرية واللبنانية على كتابة سلسلة من الروايات للشباب ذات طابع رومانسي وبوليسي وخيال علمي.
* كنت متخصصاً بكتابة أدب الأطفال والبوليسي لمدة 15 سنة ما الذي جعل بوصلتك تتجه نحو كتابة الدراما التلفزيونية؟
- اتجهت الى كتابة الدراما التلفزيونية ليس بسعي مني بل ساهم القدر في تغيير مساري بشكل مدهش، كان ذلك عن طريق أحد الأصدقاء الذي قرأ رواياتي وأعجب بها ما دفعه الى تقديم الروايات الى المنتج السينمائي والتلفزيوني الراحل إبراهيم شوقي والصدفة أن رواياتي دخلت في لجنة الفحص للنصوص الدرامية وجاء تقرير اللجنة بالإشادة بالروايات الرومانسية الخمس، وبعدها اتصل علي المنتج وطلب مني ان أحول تلك الروايات الى مسلسلات وفعلاً تم ذلك واعتبرتها مغامرة وتجربة جديدة، وكتبت أول رواية (حارة المحروسة) تمثيل صابرين وأحمد عبد العزيز ومن اخراج مجدي أبو عميرة، من هنا تحول مساري من الكتابة الروائية الى الكتابة التلفزيونية.
*هل أسهم (حي شبرا) حيث مكان سكناك في تكوين ملامح هويتك الأدبية؟
- بلا شك، حي شبرا أسهم في تكوين ملامح هويتي الأدبية والإنسانية أيضا، هذا الحي مزيج من الارستقراطية والشعبية وأيضا مزيج ما بين المسلمين والمسحيين، حي شبرا له خصوصية في التآلف والمحبة والكنائس الموجودة جنب الجوامع والمودة بين سكان المنطقة، لذلك البيئة أثرت فيّ كثيرا ككاتب وكإنسان.
* من أين تستقي موضوعات كتاباتك التلفزيونية؟ هل تستعين بالخيال أم تستحضر الواقع؟
- أنا أنظر الى الواقع وخيالي موجود في ذات الوقت، بمعنى أمزج الواقع بخيالي في كتاباتي التلفزيونية، كوني كاتباً واقعياً استمد موضوعاتي من المجتمع ليست بالضرورة تكون الموضوعات نسخة مطابقة للواقع بل ما يضفيه خيال الكاتب على الكتابة، فضلاً عن ان لدي القضية تسبق الحكاية في كتاباتي.
* يبدو أن موافقتكم على كتابة مسلسل (ليلة السقوط) الذي ضم نجوم الوطن العربي يعد مغامرة خطيرة كالذي يفتش في حقل ألغام من خلال فضح فكر داعش الإرهابي في الموصل، حدثنا عن ظروف كتابة هذا المسلسل الكبير؟
- أعد كتابة مسلسل (ليلة السقوط) مغامرة خطيرة في مسيرتي الفنية كون المسلسل يتناول فضح فكر داعش الإرهابي وما اقترف من جرائم في الموصل لاسيما أن داعش كانت جرائمه في المنطقة العربية عموما وليس في العراق فحسب، لذا التطرق لهذا الموضوع يعد خطيرا في ذروة داعش في تلك الفترة، لذا كانت لي زيارة الى العراق ومنها الى الموصل والتقيت كبار المسؤولين والتقيت أيضا ضحايا داعش واستمعت الى شهادات حية للوقوف على القضية بصورة واقعية، لذلك المسلسل كان بأحداث حقيقية بشخصيات خيالية.
* برأيك هل هناك ممثلون اعتذروا عن مشاركتهم في مسلسل (ليلة السقوط)، خوفاً من جرأة فكرة العمل؟
- نعم أكثر من شخصية فنية اعتذرت عن المشاركة في المسلسل خوفاً من تبعات المشاركة في هذا المسلسل الحساس، وأحيي الفنان طارق لطفي على شجاعته لتبنيه تجسيد دور البطولة بكل شجاعة وعدم التردد، فضلاً عن تعرض كادر المسلسل الى تهديد غير مباشر لاسيما بطل المسلسل والمنتج وكانت ترافقنا أثناء التصوير حماية من أفراد الجيش العراقي في الموصل، ظروف تصوير المسلسل لم تكن سهلة وكانت خطرة للغاية وسط ظروف استثنائية في المنطقة التي نصور بها.
* هل لديك شغف في كتابة سيناريو جديد يتناول قصة حياة إحدى الشخصيات التأريخية العراقية مثلاً؟
- نعم لدي الشغف في الكتابة عن إحدى الشخصيات العراقية وأفكر في إنجازه قريبا، اكتشفت ان العراق بيئة خصبة لكتابة الأعمال التلفزيونية كونه يضم العديد من الشخصيات التي تستحق الكتابة عنها للتعرف عن سيرتها في الوطن العربي، كما هو الحال في السينما والدراما المصرية التي تناولت الكثير من الشخصيات المصرية، لكن في العراق اعتقد لم تتح الفرصة لإبراز الشخصيات العراقية البارزة في أعمال درامية، لذا سيكون في جدول أعمالي عمل يخص العراق في قادم الأيام.
* برأيك أيهما يضيف للآخر الكاتب أم الممثل؟
- الكاتب والممثل كلاهما يكمل بعضهما الآخر، أنا أضع خيالي على الورق وبحاجة الى ممثل يجسد هذا الخيال الى صورة مرئية فكل منا يكمل العملية الفنية الدرامية.
* لكن هناك ممثلين لربما كانوا غير معروفين وعرفوا واشتهروا من خلال أعمال درامية معينة ألا تعتقد أن الكاتب هنا قد أضاف الى الممثل؟
- وأين هي المشكلة؟ أنا معظم أعمالي الدرامية التي كتبتها خرجّت وجوهاً فنية جديدة وأصبحوا نجوماً فيما بعد وأذكر منها مسلسل (للعدالة وجوه كثيرة) خرجت منه الفنانة دنيا سمير غانم كوجه فني جديد، وأيضا مسلسل (الرجل الآخر) خرج منه الفنان أحمد زاهر، والفنان أحمد رزق، والفنانة حلا شيحة والفنان رامز جلال في ظهورهم الأول على الشاشة، وكذلك في مسلسل (أين قلبي) ظهرت منه الفنانة منة شلبي، والفنانة مي عز الدين وجهان جديدان على الشاشة.
* إذن هؤلاء الفنانين إضافت لهم أعمالك في تجاربهم الأولى هذا ما أردت إيصاله بأن الكاتب قد يضيف الى الفنان؟
- حضرتك تعدها إضافة الى الفنان أوافقك الرأي، لكن الممثل أيضا استطاع ان يجسد العمل بشكل جيد جدا بمهارته وحرفته وبالتالي أصبح نجما معروفا من خلال عمل فني واحد وهذه لم يحدث كثيرا في الوسط الفني.
* الدراما قد تسهم في إفساد المجتمع من خلال عدم التوظيف الصحيح لفكرة المسلسل، ونفسها الدراما تسهم أيضا في بناء المجتمع وتربية أبنائه إذا كان طرحها صحيحاً.. برأيك كيف يمكن أن نصدر أعمالنا الدرامي العربية بصورة صحيحة بعيداً عن الحيطة والحذر؟
- اليوم نواجه مشكلة في بعض الأعمال الفنية الدرامية الرديئة التي تعرض عبر المنصات التي تروج لها بعيدا عن عيون رقابة الجهات الرسمية، وإلا ما الداعي الى عرض مسلسلات تمجد السفاحين وتجار المخدرات والدعارة في الأعمال الدرامية هذه الأعمال تسيء أولاً الى المجتمع وثانياً تعطي صفة القدوة لأشخاص غير صالحين، ومن هنا يجب أن نعي جيدا ما يصدر عبر الشاشة الصغيرة من أعمال وتتحمل مسؤوليتها الجهة التي ساهمت بعرض ودس هذه الأعمال وكذلك المسؤولية تقع على المبدع سواء الكاتب أم الممثل أم المخرج.
* هناك إشكالية يعيشها كاتب السيناريو ،وهي أن مادته المكتوبة قد لا تترجم على الشاشة بنفس التفاصيل الدقيقة التي أحسها السيناريست وتفاعل معها أثناء الكتابة، هل وجدت هذه الإشكالية في أعمالك؟
- هذه مسؤولية المخرج الذي يحول النص المكتوب الى نص مرئي، لذا المخرج ممكن أن يضيف للعمل من خلال رؤيته وإبداعه وممكن أن يسيء الى العمل ولا يؤدي واجبه بإتقان تجاه العمل الفني، وحدث هذا الأمر معي في أحد المسلسلات التي قمت بكتابتها وكنت متأملاً من المخرج ان يخرج المسلسل بطريقة جميلة لكن للأسف أخرجه بطريقة سيئة على الشاشة.
* أي عمل من أعمالك التلفزيونية ترك أثراً كبيرا في داخلك دوناً عن أعمالك الأخرى؟
- مسلسل (الرجل الآخر) بطولة الفنان الراحل نور الشريف رحمه الله والفنانة مرفت أمين ومن اخراج مجدي أبو عميرة، هذا المسلسل أحبه جدا وله مكانة خاصة في قلبي لأكثر من سبب، الأول كونه أول عمل أقدمه للتلفزيون المصري الرسمي وعرض في رمضان عام 1999 وحقق نجاحا مدويا غير مسبوق، والسبب الثاني المسلسل يتكلم عن ضمير الإنسان حينما يموت وحين يصحى!
* مسلسل (الرجل الآخر) الذي قمت بتأليفه من بطولة النجم الراحل نور الشريف الذي نال شهرة ومشاهدة كبيرة في الوطن العربي، إلا أنني أشرت الى ملاحظة في تفصيلة بسيطة من أحداث المسلسل هو كيف لرجل فقد الذاكرة يعود لأسرته بعد فترة طويلة ويعيش بينهم ويكتشفون فيما بعد أن الرجل ليس والدهم الحقيقي بل شخص يشبهه!، هل هناك أسرة لا تستطيع أن تتعرف على والدها!؟
- ليس كذلك، الأسرة ادعوا أن نور الشريف بشخصية مختار العزيزي ليس والدهم بعد ان فضحهم وفضح نفسه بأخذ الرشوة في الصحافة والإعلام وحاول يتطهر من الأعمال السيئة لذلك أسرته حاولت ان تلعب لعبة وتزور بعض الوثائق ليتظاهروا بأن الرجل الذي فاقد الذاكرة ليس أباهم، هرباً من نظرة المجتمع لهم وملاحقة القانون للأسرة، وليست أسرته لم تتعرف عليه، هذه هي الحكاية.
* هل لديك خطوط حمر في كتاباتك؟
- بالتأكيد، لدي دستور أخلاقي اعتمده في كتاباتي، لذلك لم تجد في أعمالي الفنية زوجة خائنة مثلاً أو مدمن مخدرات رغم ان هذه الظواهر موجودة في المجتمع إلا أني لا أحب أن أظهرها على الشاشة.
* ما الصفة التي تتمنى استئصالها من شخصيتكم؟
- أتمنى أن أتخلص من التدخين فقط.
* أخيراً ما الذي يشغلك؟ وماذا تخبئ للجمهور العربي من أعمال مرتقبة؟
- أنا بصدد تحضير عمل درامي ضخم يضم نجوم الوطن العربي سأعلن عن تفاصيله قريباً.
التعليقات