مرّت الذكرى السنوية الثانية لتنحي واندحار نظام الرئيس المصري حسني مبارك الذي أعقب اندلاع ثورة الشعب المصري في الخامس والعشرين من يناير 2011 ، التي نتج عنها انتخابات رئاسية مصرية نزيهة أوصلت مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي لرئاسة جمهورية مصر الجديدة، ممثلا لحزب الجماعة (الحرية والعدالة) بعد أن ظلت جماعة محظورة منذ انقلاب العسكر عام 1952 الذي أطلق عليه ظلما اسم وصفة (ثورة) خاصة أنّ هولاء العسكر في مجال الحريات والديمقراطية حولوا مصر إلى سجن كبير، كان رواده ومقيموه الدائمون أعضاء جماعة الإخوان المسلمين منذ إعدام نظام عبد الناصر لزعيم الجماعةquot; سيد قطبquot; في التاسع والعشرين من أغسطس عام 1966، ومعه تمّ إعدام الشيخ quot;محمد يوسف هواشquot; بعد أن ذاقا في السجن من التعذيب والمهانة ما لم يتعرض له أي سجين فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
رئاسة مرسي بعد وفاء المجلس العسكري بتعهداته
سوف يسجل التاريخ المصري للمشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الذي تسلم السلطة بعد تنحي الرئيس حسني مبارك، بأنّه من العسكريين القلائل الذين تغلبت وطنيتهم ووفائهم لمصر الوطن على الأنانية الشخصية المتعلقة بالبقاء في السلطة، خاصة أنّ التاريخ العربي المعاصر يخلو من إخلاص هكذا عسكريين ما عدا حالة الفريق سوار الذهب في السودان عام 1986 ، فقد أوفي المشير طنطاوي بتعهداته للشعب المصري ، وأشرف المجلس العسكري برئاسته على الانتخابات الرئاسية التي خاضها عدة مرشحين مصريين، وعندما فاز بالرئاسة الدكتور محمد مرسي سلمّه المجلس العسكري السلطة كاملة في يونيو 2012 ، وعاد المشير حسين طنطاوي بهدوء إلى موقعه العسكري فقط، وعندما اتخذ الرئيس مرسي في الثاني عشر من أغسطس 2012 قرارا بإحالته كوزير للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة، ومعه رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق سامي عنان إلى التقاعد، امتثلا بأخلاقية عسكرية عالية منضبطة لقرار الرئيس، مما أكسبهما احترام الغالبية في مصر وخارجها، خاصة أنّه كان بوسعهما وهما في هذين الموقعين الحساسين تحدي قرارات الرئيس والتمرد عليها بتحريك القوات المسلحة والانقلاب على الرئيس المنتخب، لكنّهما وضعا مصلحة مصر واستقرارها وسير العملية الديمقراطية فوق المصلحة الشخصية.والمفارقة المؤلمة تكمن في انضباط العسكر المصريين وانفلات هدوء وعقلانية،
المرشحون الخاسرون لانتخابات الرئاسة المصرية
خاصة الثلاثي أحمد شفيق و محمد البرادعي وحمدين صباحي، إذ قادا وما زالا حملة تشويه وافتراء لا مثيل لها على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي رافضين ومنتقدين أي قرار يتخذه مهما كان على طريقة (عنزة ولو طارت) متناسين وقافزين عن أسس الديمقراطية الحقيقية التي تسمح لأي رئيس منتخب باتخاذ أية قرارات يراها في مصلحة الشعب، وليس من حق أحد رفضها سوى مجلس الشعب (البرلمان) بينما هذا الثلاثي لم يعط الرئيس المنتخب أية فرصة للإستمرار في خطواته لاستكمال بناء المؤسسات التشريعية في البلاد التي من مهماتها مراقبة أداء الرئاسة وكافة مؤسسات الدولة. وبعد انتهاء مدته الرئاسية لأربع سنوات فالشعب هو من يقرر التمديد له فترة رئاسية جديدة أو سحب الثقة منه نتيجة عدم الرضا على أدائه في المرحلة الرئاسية الأولى، وهذه من أسس الديمقراطية في الدول العريقة ديمقراطيا. ومن المهم التوقف عند عدة مواقف منها:
1 . لماذا هرب أحمد شفيق خارج مصر فور سقوطه في انتخابات الرئاسة؟ أليس هذا الهروب يخفي وراءه خوفه من محاسبات ومحاكمات قادمة على ملفات فساد نشرتها الصحافة المصرية، وترقى لسرقات ونهب بالمليارات خاصة عندما كان وزيرا للطيران المدني. لو كان برئيا وليس خائفا من أية محاكمات أوفتح ملفات تدينه، هل كان يهرب خارج مصر ليواصل تهجماته وافتراءته على الرئاسة المصرية المنتخبة؟
2 . تصريحات ومواقف محمد البرادعي التي لا يمكن وصفها إلا بالصبيانية والانتهازية. فلماذا لا يعترف بإعطاء الشعب المصري ثقته للرئيس محمد مرسي ويواصل موقفه البناء من خلال معارضة تطمح للإيجابية وليس مجرد تشنجات ترفض كل ما يصدر عن الرئيس المنتخب، وهو من عاش سنوات طويلة في أوربا وعرف أنّ الديمقراطية تعني الامتثال لنتائج انتخابات الشعب. ويترافق ذلك مع تصريحات انتهازية مرفوضة للإعلام الغربي، خاصة ما أدلى به لصحيفة quot;دير شبيغلquot; الألمانية، والتي أرجع فيها أسباب انسحاب غالبية الليبراليين والمسيحيين من الجمعية التأسيسية لعدة أسباب؛ منها أن الجمعية تضم عددًا من الأعضاء الذين ينكرون المساواة بين المرأة والرجل ويريدون تطبيق الشريعة وينكرونquot;الهولوكوستquot;. وما دخل الهولوكست بالانتخابات المصرية؟ وهل أثار أي مرشح للانتخابات أو أحد أعضاء الجمعية التأسيسية هذا الموضوع سلبا أم ايجابا في برنامجه الانتخابي أو مواقفه السياسية؟. إنها فقط تصريحات انتهازية لكسب رضا ودعم جهات خارجية أساسا لا تريد الأمن والاستقرار لمصر وشعبها. لذلك كان موقف الدكتور محمد محسوب وزير الدولة للشؤون النيابية واضحا وصريحا، عندما طلب من البرادعي quot; أن يصرح للمصريين جميعا بما إذا كان قد قال هذا الكلام أم لا للصحيفة الألمانية، لأننا في مصر لنا سيادتنا وقوانينا الخاصة بخصوص محرقة الهولوكست، ونرفض أن يفرض علينا الدكتور البرادعي ومن يخاطبهم أن نؤمن بالهولوكست أو لا نؤمنquot;.
3 . التصريحات والمواقف الغريبة المتناقضة لحمدين صباحي بعد خسارته الانتخابات الرئاسية، خاصة تصريحه الأخير لجريدة quot;السياسةquot; الكويتية ونقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، حيث أعلن فيه قبوله بنتيجة الاستفتاء على الدستور الجديد من الناحية القانونية أيا كانت quot;هي أولاً وأخيراً رأي الشعب المصري، مع تحفظي على وجود حالات تزوير وانتهاكات شابت عملية الاستفتاء بمرحلتيها الأولى والثانيةquot;. وبعد هذا الموقف المنطقي المتوازن المعترف بشرعية الدستور الجديد، يناقض نفسه و يرتد عن هذا الموقف فيقول: ''إن الدستور فقد شرعيته لأنه قسّم المصريين إلى فريقين، بعد أن جمعتهم الثورة في جسد واحد وهدف مشتركquot;. كيف يقبل بالدستور ثم يفقده شرعيته؟. وكيف يقسّم الدستور الشعب المصري لفريقين؟ فلا يوجد دستور في العالم أو أية انتخابات رئاسية أو تشريعية تحوز على ثقة الشعب مائة بالمائة، فهناك موافقون ورافضون، لكن هذا لا يعني انقسام الشعب إلى فريقين متحاربين إلا في مخيلة وتفكير حمدين صباحي الذي لم يصدق نفسه أنّه لم يحصل على ثقة غالبية الناخبين المصريين ليكون رئيسهم الجديد، ومنحوا ثقتهم للرئيس الدكتور محمد مرسي. وكان حمدين صباحي قدر رفض في الانتخابات الرئاسية السابقة أن يتحالف مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وها هو يعود ويعتذر عن ذلك علانية للشعب المصري، معترفا انّ المعارضة بحاجة للدكتور أبو الفتوح، فلو كانت معارضة حقيقية ذات برنامج ورؤية سياسية موحدة، فلماذا لم تتفق على مرشح رئاسي واحد؟. الا يقدّم هذا واعتذاره الجديد على أنّ الحرص على المنصب والكرسي له الأولوية على البرنامج السياسي الذي يضمن استقرار مصر وتنميتها؟.
وماذا بعد اقرار الدستور المصري الجديد؟
بدأت مظاهر الهدوء تعود تدريجيا للشارع المصري، وحتما ستتوقف البلطجة الإعلامية التي قادها نفر محدود من صحفيي وإعلاميي تهييج الشارع لمصلحة النظام البائد عبر أكاذيب وافتراءات لا يبغون من ورائها سوى الشهرة والحضور الفضائي ولو على حساب استقرار الشارع المصري. وبالتالي فالمنطق الديمقراطي يقول: لا بد من اعطاء الرئيس الجديد الدكتور محمد مرسي فرصته الرئاسية لأربع سنوات ثم يقول الشعب المصري رأيه في أدائه في مختلف أوجه الحياة المصرية، خاصة أنّ الدستور الجديد لا يسمح له إلا بالترشح لولاية ثانية فقط، فإما أن يعطيه الشعب عندئذ الثقة أو يسحبها منه، أما التخويف المسبق والتهويل المرعب من انتماء الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين فلا يستند إلى منطق، خاصة أنّه المؤمل من جماعة كانت ضحية القمع والإعدامات والسجون طوال ما يزيد على ستين عاما، أن لا تتحول إلى جلاد جديد للشعب المصري، في ضوء أنّ هذا الشعب أثبت قدرته على الإطاحة بأي ديكتاتور وظالم جديد.
وفجأة تندلع أعمال التدمير والبلطجة والاغتصاب،
فبدلا من أن يحتفل المصريون بالذكرى الثانية لانهيار النظام الديكتاتوري الفاسد، تقوم فئات من البلطجية المحسوبين غالبا على المرشحين الخاسرين لانتخابات الرئاسة بأعمال حرق وتدمير وتشبيح واغتصاب جماعي لعشرات من الفتيات، تجعل المراقب الموضوعي يتساءل: أين كنتم في زمن النظام البائد؟ لماذا لم نشهد مظاهرة واحدة ضد فساده وقمعه وسرقته لثروة الشعب المصري؟ وأين كان مرشحوكم الخاسرون؟ ألم يكونوا إما مطبلون للنظام أو ساكتون كأنهم من أهل الكهف؟. إنّ ما يحدث في مصر يدمي القلب والعقل، ولا مفر من إعلان حالة الطوارىء لوقف هذه الفوضى التدميرية التي ستدمر غالبية مقدرات مصر الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، وهذا ما لا يتمناه كل من يحب مصر ودورها الريادي في المنطقة العربية. ولعلّ دعوة الدكتور محمد البرادعي
إلى اجتماع quot;فوريquot; بين الرئيس، محمد مرسي، ووزيري الدفاع والداخلية و حزب الحرية والعدالة والتيار السلفي وجبهة الإنقاذ لإتخاذ خطوات عاجلة لوقف العنف و لإجراء حوار يخرج مصر من هذه الأزمة، يحمل شعورا جديدا بالمسؤولية من قاددة جبهة الانقاذ، فلننتظر الأمل إذ لا يليق بمصر وشعبها إلا الهدوء الذي يعيد التنمية لموقعها الطبيعي، خاصة أنّ العديد من الدول مستعدة للاستثمار العالي فور عودة الأمن والهدوء.
[email protected]
التعليقات