عشر أواخر في سوريا، تمامًا كما العُشرين الأولين، عامرة بما طاب للأسد من قتل ومجازر، والعيد آت على سوريا التي ستجتمع على زيارة أكثر من مئة ألف قبر، حفرها الطغيان في أرض ضجت بقتلاها.


بيروت: يكاد رمضان هذا العام ينقضي إلى غير رجعة، حتى العام القادم. كان السوريون ظنوا أن هذا الشهر الفضيل سيمر عليهم بردًا وسلامًا، لأن الاسلام يُقعد المتحاربين في خلال هذا الشهر. إلا أن قتلاهم في رمضان فاضت عن الألفين، والاشتباكات ما هدأت على كل جبهات القتال، بل عنفت وارتفعت وتيرتها، وصمم الجيش السوري النظامي على أن يدخل خالدية حمص، مدمرًا مسجد الصحابي خالد بن الوليد ومرقده، في تمام الثامن عشر من رمضان، أي في يوم إحياء وفاة هذا الصحابي، سيف الله المسلول.

صام السوريون في سوريا، وفي مخيمات اللجوء خارج الوطن. صاموا لدينهم، وصاموا ايضَا لندرة الطعام والشراب، إلا ما حنّ عليهم به بعض الكرام في لبنان وتركيا والأردن، إلى جانب فتات المنظمات الدولية، على الرغم من أرقام فلكية أعلنتها الدول المانحة من اصدقاء الشعب السوري، والتي لم يصل سوريا والسوريين منها إلا نيات سيئة تجاه بنات سوريا، اللواتي أرادوهن متاعًا للرجال العرب في هذه الدنيا، وكأن القتل لا يكفي، بل هو قتل وإذلال. صام السوريون، وكادوا يفطرون كل دقيقة من يومهم، ولو لم يأت الغروب. فمدفع الافطار يدوي ثلاث إلى أربع مرات في الدقيقة، حتى صار للافطار راجمات ايضًا. وهذا مستمر من أول رمضان، ولن يتوقف حتى آخره.

مرق وخرق وصر ورق

العشر الأوائل في سوريا هي عشر quot;المرقquot;، اي عشر الموائد التي تنهمك الأسرة السورية في تحضيرها، لتعمر بما لذ وطاب من مأكل مغمس بمرق اللحم والسمن، إلى جانب شراب قمر الدين والحلويات.

وهي عشر quot;مرقquot; في هذا العام، إذ عمرت بولائم الطاغية من لحم السوريين الحي، في مجازر لم توفر معارضًا ولا مواليًا، لا شيخًا ولا طفلًا، حتى سال الدم مرقًا. والعشر الوسطى في سوريا هي عشر الخِرَق، أي زمن لشراء كسوة العيد ولوازمه، فتكتظ اسواق سوريا وتنار أضواؤها وتفتح أبوابها حتى السحور، وهذا تمامًا ما حل بسوريا في هذا العام، إذ تحولت أجساد النساء والأطفال إلى خرق بالية، ليس أقلها تحت أنقاض مدرسة حي الأندلس في حلب، التي دكتها دبابات النظام وطائراته على رؤوس 250 عائلة سورية لجأت إليها من هول القصف في أحياء أخرى.

وأما العَشر الأواخر في سوريا فهي عشر صرّ الورق، حيث تنهمك السوريات بإعداد حلوى العيد، تصره في الورق استعدادًا للفطر السعيد. وبأية حال عدت يا فطر على سوريا هذا العام، حيث تصر الجثامين في أكفانها، صغيرة وكبيرة، وتوارى ثرى يضج بقتلاه، تمامًا كما يضج الناس منذ هلّ رمضان عليهم، بصراخ ملء الحناجر: quot;أهلًا يا رمضان... إرحل يا بشارquot;.

لا عيد

إن عشر بشّر... هذا ما يقوله السوريون، أي إن مضت العشر الأوائل أسرع رمضان بالرحيل، مخلفًا وراءه العيد، والعتق من النار. إلا أن لا عيد لأطفال سوريا، ولا فرح، ولا ثياب جديدة، ولا أراجيح في الشوارع، ولا صندوق الفرجة القديم في حواري حي التضامن أو العسالي أو جوبر أو حرستا، تمامًا كما غاب المسحراتي عن هذه الأحياء، وعن الغوطة الشرقية وداريا المدمرة، وباب هود وجورة الشياح.

ولا عيد في القصير أو في خان العسل، ولا في رأس العين، بل أفواج من نساء واطفال يتحينون لحظات فرج من القصف لزيارة المقابر، وما أكثرها هذا العام، مع مقتل أكثر من مئة الف سوري.

وعادة الزيارة دارجة منذ القدم، خصوصًا في العيدين الصغير والكبير، أي في الفطر والأضحى. والشعب السوري بأكمله محتاج للزيارة اليوم، فمن مات مات، ومن لم يمت بعد محكوم بالموت إن عاد بشار الأسد ليقبض على أعناق الأحرار، الذين لا يطلبون إلا ما يسد جوعهم إلى الحرية، وإلى الانتصار، من سلاح عزته عنهم كل الدول التي زعمت بهتانًا أنها quot;أصدقاء سورياquot;.لا عيد في سوريا إلا عيد الحرية، ولا فطر في سوريا إلا عند سقوط الطغيان، فالصيام مستمر طالما القاتل مستمر في القتل، والأطفال سينتظرون علّ العمر يسعفهم ويعيشون عيدهم الأكبر، فيُعتقون من نار بشار الأسد.