بعد يوم على مجزرة ريف دمشق، التي تحمل سمات استخدام الأسلحة الكيميائية، بدأت إدارة اوباما المنقسمة على نفسها تدرس الردود العسكرية الممكنة ضد قوات نظام الرئيس بشار الأسد، من دون أن تتوصل إلى قرار فعلي وسريع.


اجتمع مسؤولون كبار من البنتاغون ووزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات لمدة ثلاث ساعات ونصف ساعة في البيت الأبيض ليل الخميس، درسوا خلالها الخيارات المتاحة، التي قال مسؤولون في الإدارة إنها تمتد من توجيه ضربات صاروخية إلى حملة جوية مديدة ضد النظام السوري.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين كبار قولهم إن الاجتماع انفضّ بلا قرار، وسط دلائل على وجود انقسام يزداد عمقًا بين الداعين إلى توجيه رسالة قوية إلى الأسد والقائلين إن العمل العسكري الآن سيكون أهوج وسيئ التوقيت. وجرت نقاشات مماثلة على الضفة الأخرى من الأطلسي، حيث أيّدت فرنسا استخدام القوة، وأعربت تركيا عن غضبها من الجريمة. لكن دبلوماسيين في بلدان متعددة اعترفوا بأن الحلفاء الغربيين، وخاصة الولايات المتحدة، لا يميلون إلى تدخل طويل الأمد في حرب أهلية طائفية دموية.

خيارات بُحثت
لاحظ مراقبون أن أوباما أعلن أنه سينتظر نتائج التحقيق، الذي تجريه الأمم المتحدة في المجزرة، في حين أن مسؤولي إدارته تحدثوا بلغة أقوى عمّا قد يحدث، إذا قرر رئيسهم أن أسلحة كيميائية استُخدمت فعلًا. وكانت الولايات المتحدة أكدت منذ نيسان (إبريل) أن النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية، ورد مسؤولو إدارة أوباما بالإشارة إلى تسليح المعارضة السورية.

لكن قياديين في المعارضة قالوا إنهم حتى الآن لم يروا شيئًا من هذا التسليح. ولدى المسؤولين الأميركيين قناعة متزايدة بأن أسلحة كيميائية استُخدمت في مجزرة الأربعاء في شرق دمشق، وليس لديهم شك في أن قوات الأسد هي التي استخدمتها. لكن بعد الصعوبات الكبيرة التي لاقاها من أثبتوا استخدامها في المرة السابقة، لم يقدم المسؤولون الأميركيون هذه المرة جدولًا زمنيًا للفترة التي يستغرقها التوصل إلى أدلة تؤكد استخدامها.

أثار هذا تساؤلات عن بطء التحرك الأميركي إذا قررت واشنطن التحرك. ونقلت نيويورك تايمز عن مسؤولين قولهم إن من بين الخيارات التي بُحثت في البيت الأبيض مساء الخميس توجيه ضربات جوية، ربما بإطلاق صواريخ توماهوك المجنحة من سفينة في البحر المتوسط. كما إن لدى البنتاغون طائرات حربية في الشرق الأوسط وأوروبا يمكن أن تُستخدم في حملة جوية ضد النظام السوري، ويمكن إرسال الطائرات محمّلة بأسلحة تطلقها من خارج الأراضي السورية المحمية بمنظومة دفاع جوي لا يُستهان بفاعليتها، كما يقول خبراء عسكريون.

تعازي كيري
يمكن أن تشمل الأهداف بطاريات صواريخ أو مدفعية تطلق رؤوسًا كيميائية أو غاز الأعصاب ومنشآت اتصالات وإسناد. وقال المسؤولون إن الضربات يمكن أن تستهدف رموزًا لسلطة النظام، قد تكون مقار عسكرية أو أمنية أو مؤسسات رسمية. وأطلقت المشاهد المروعة لضحايا المجزرة موجة من الاتصالات الهاتفية بين الدبلوماسيين، الذين أعرب بعضهم عن إحباطه إزاء غياب الرد على وضع يزداد مأسوية كل يوم.

وقال دبلوماسي أوروبي لصحيفة نيويورك تايمز، طالبًا عدم ذكر اسمه: quot;إن جميع الخيارات المطروحة سيئةquot;. واتصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري برئيس الائتلاف الوطني للمعارضة السورية أحمد عاصي الجربا ناقلًا إليه تعازيه، ومؤكدًا التزام إدارة أوباما بالتحقيق في ما حدث على الأرض، كما أفادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين ساكي.

كما تحدث كيري مع نظيريه الفرنسي لوران فابيوس، والتركي أحمد داود أوغلو، والعديد من وزراء الخارجية العرب، ومفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. لكن في الولايات المتحدة نفسها، قال مسؤولون إن الإدارة ما زالت منقسمة بشأن الخطوة التالية. وقال مسؤول رفيع لصحيفة نيويورك تايمز، طالبًا عدم كشف اسمه: quot;هناك انقسام بين من يشعرون بالحاجة إلى التحرك الآن ومن يشعرون بأن التحرك الآن توقيت سيئquot;.

استياء المعارضة
امتنع المسؤول عن إعطاء تفاصيل عمّن يدعو إلى الرد على الهجوم الكيماوي، ومن يشدد على ضرورة التروي، لكنه قال إن البعض في اجتماع البيت الأبيض أعرب عن مخاوف من أن تحشيد دعم دولي للرد العسكري يحتاج وقتًا، وإن أي ضربات ضد نظام الأسد قد تفاقم أزمة اللاجئين الملقاة على عاتق جيران سوريا، مثل الأردن ولبنان.

وتابع المسؤول قائلًا إن لا الولايات المتحدة ولا الدول الأوروبية لديها دليل دامغ يضبط قوات الأسد بالجرم المشهود، لكن الأجهزة الاستخباراتية جمعت أدلة ظرفية تؤكد أن مواد كيميائية من نوع ما قد استُخدمت، وقال المسؤول: quot;إن العدد النهائي للجثث مؤشر جيد جدًاquot;. وما يزيد من استياء المعارضة السورية إزاء موقف الولايات المتحدة أن اثنين من قيادييها أكدا لصحيفة نيويورك تايمز أن الأسلحة، التي قال مسؤولون أميركيون إن وكالة المخابرات المركزية ستوفرها، لم تصل حتى الآن.

لكن محللين قالوا إن الخطر السياسي الأكبر قد يكون الخطر الذي يهدد مصداقية أوباما بعد الخطوط الحمراء، التي رسمها خلال الصيف الماضي، بشأن عواقب استخدام الأسد أسلحة كيميائية. وقال جيفري وايت، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات الدفاعية والباحث حاليًا في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن الهجوم الكيميائي يشير إلى أن التصريحات الصادرة من واشنطن لم تردع النظام السوري.