عيّن الرئيس الأميركي باراك أوباما سوزان رايس مستشارة لشؤون الأمن القومي، في سياق تغييرات أجراها في إدارته السياسية، وهي التي كانت الداعية المتحمسة للتدخل عسكريًا في ليبيا، لكن تبدو اليوم غير متحمسة لتدخل مشابه في سوريا.


لندن: أعلن الرئيس باراك أوباما اجراء تغيير كبير في طاقم الأمن القومي لإدارته، بترقية مسؤولين من المتحمسين لدور أكبر تقوم به الولايات المتحدة على الساحة الدولية، واعفاء ثالث تتسم مواقفه بالحذر.

ويرى مراقبون أن التحول الايديولوجي الذي تشير اليه خيارات الرئيس، يسلط الضوء على مأزق كبير يواجهه اوباما، وهو يحاول أن يترك بصمة في العالم إزاء اوقات من التقشف وتعب الاميركيين من الحروب في الداخل. وبقي حجم طموحات اوباما في الخارج، وما يصطدم به من تحديات كبيرة على الجبهة الداخلية، سؤالًا مفتوحًا في ولايته الثانية.

وستتاح لكل من سوزان رايس، التي عيّنها اوباما مستشارة لشؤون الأمن القومي محل توماس دونيلون، وسامانثا باور التي ستخلف رايس سفيرة في الأمم المتحدة، فرصة الاجابة عن هذا السؤال في سياق المراجعة التي تجريها الادارة لسياستها تجاه الأزمة السورية، والاستعداد لإنهاء الحرب في افغانستان، والسعي إلى وقف برنامج ايران النووي، والعمل على احياء عملية السلام في الشرق الأوسط.

وقال اوباما، حين اعلن تعييناته الجديدة في حديقة البيت الأبيض الأربعاء، إن رايس التي لا يحتاج تعيينها إلى موافقة مجلس الشيوخ، مدافعة صلبة عن العدالة والكرامة الانسانية. واثنى ايضًا على باور بوصفها مدافعة عن المصالح الاميركية، داعيًا مجلس الشيوخ إلى الموافقة على تعيينها في أسرع وقت.

تغيير منحى السجال

تأتي التغييرات الجديدة في وقت يسعى فيه اوباما إلى اكتساب زخم سياسي خلال ولايته الثانية، وهي فترة يركز الرؤساء الاميركيون تقليديًا فيها على القضايا الداخلية، قبل ايلاء الوضع الدولي مزيدًا من اهتمامهم.

في الداخل واجهت مبادرات عديدة قام بها اوباما عقبات في الكونغرس.دوليًا، اتسمت سياسة اوباما الخارجية في ولايته الثانية بالانفعال اكثر منها بالفعل، وهو يحاول اسدال الستار على حرب افغانستان، ويدرس ما إذا كان على ادارته أن تفعل المزيد لدعم المعارضة السورية المسلحة في غمرة حرب اهلية تزداد استعارًا.

ويمكن لتعيين رايس وباور أن يغيّر بسرعة منحى السجال في داخل الادارة بشأن السياسة الخارجية، التي كان مركز صناعتها البيت الأبيض، حيث تركزت سلطة القرار بيد دونيلون ونوابه.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن جون اولترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله إن التعيينات الجديدة تأتي بإمرأتين عمل الرئيس معهما بصورة وثيقة، quot;ويبدو أنه يكن لهما اعجابًا شخصيًا على الرغم من أن مزاجهما يتعارض مع صورة اوباما بوصفه رئيسًا لا يحب المواقف الدراماتيكيةquot;. واضاف اولترمان أن التحدي الذي يواجه المرأتين هو معرفة مجال الحركة المتاح لهما من البيت الأبيض.

رايس المتحمسة

كان دونيلون من اكبر الدعاة إلى اعادة توجيه السياسة الخارجية الاميركية نحو الاقتصادات الآسيوية الصاعدة. كما دعا، بدعم من صديقه الحميم نائب الرئيس جو بايدن، إلى وضع نهاية سريعة لحرب افغانستان.
واصطدم في مواقفه هذه مع قادة البنتاغون العسكريين الذين يفضلون الانسحاب من افغانستان انسحابًا بطيئًا. لكن رايس، وهي ثالث مسؤول يتولى منصب مستشار الأمن القومي في ادارة اوباما ستكون أكثر ميلًا إلى الدفاع عن السياسة التي تطرحها داخل مجلس الأمن القومي من انشغالها في التوفيق بين السياسات المختلفة، بحسب صحيفة واشنطن بوست.

وكانت رايس من مستشاري اوباما الكبار قبل انتخابه رئيسًا في العام 2008، واكتسبت خبراتها في مجال السياسة الخارجية حين عملت مسؤولة في مجلس الأمن القومي لشؤون أفريقيا خلال مجازر الإبادة في رواندا في العام 1994. وكان الرئيس وقتذاك بيل كلنتون قرر عدم التدخل، لكنه اعتذر عن قراره بعد انتهاء ولايته. ودعت رايس في السنوات التي اعقبت ذلك إلى رد عسكري اميركي حازم في السودان بفرض منطقة حظر جوي فوق اقليم دارفور ضد العمليات العسكرية لحكومة الخرطوم.

وكانت رايس ايضًا من أشد المتحمسين داخل ادارة اوباما لتدخل عسكري في ليبيا قبل عامين. وقامت بدور متميّز في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز استخدام القوة، لاسقاط نظام معمر القذافي. لكن طموحات رايس السياسية تأثرت بما حدث بعد التدخل في ليبيا، إذ اتهمها الجمهوريون بالتضليل عندما قدمت رواية الادارة عن الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي، ما تسبب بسحب ترشيحها لخلافة هيلاري كلنتون في وزارة الخارجية.

صوتهما خفيض

وابدى ماكين، الذي كان من أشد منتقدي رايس، وغيره من الجمهوريين في مجلس الشيوخ استعدادهم للعمل مع رايس في دورها الجديد، لكن على مضض.

وكانت سامانثا باور أيضًا من دعاة التدخل العسكري في ليبيا بوصفها مسؤولة حقوق الانسان في طاقم مجلس الأمن القومي. وتأثرت باور، الفائزة بجائزة بولتز لكتابتها النقدية عن الرد الاميركي على حرب الابادة، بما حدث في رواندا وبحروب البلقان في يوغسلافيا السابقة التي غطتها كصحافية.

لكنّ مراقبين يلاحظون أنه لا صوت باور ولا صوت رايس كان عاليًا في الدعوة إلى قيام الولايات المتحدة بدور أكبر في الحرب الأهلية السورية، على النقيض من صوتهما خلال الثورة الليبية ضد نظام القذافي.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن تومي فيتور، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في ولاية اوباما الأولى، قوله إن نظرة رايس وباور إلى العالم تتحدد بخبراتهما. اضاف: quot;هذه النظرة إلى العالم لا تجد تطبيقًا مباشرًا على سوريا، بسبب التعقيدات ذات العلاقة على الأرض، واعتقد أن هناك الكثير مما سيتعين عليهما التفكير فيه بشأن هذه السياسةquot;.