تعلم الثوار السوريون دروسًا قاسية في القصير، التي انتهت معركتها بخروجهم منها، ويطبّقون هذه الدروس في حلب، حيث انتقلوا من الدفاع إلى الهجوم، بفضل أسلحة جديدة تلقوها، لكنهم ما زالوا يشكون أن السلاح يأتي إلى ألوية دون أخرى، على هوى المانحين.


أكد قادة ميدانيون في قوات المعارضة السورية أنهم صدّوا هجوم النظام على مواقعهم في حلب، وشنّوا هجومًا مضادًا بعدما تعلموا من أخطائهم في معركة القصير في أوائل حزيران (يونيو).

وكانت وسائل إعلام النظام السوري طبلت لعملية quot;عاصفة الشمالquot;، قائلة إن العملية تهدف إلى استرداد حلب من قوات المعارضة في غضون أيام، بعد سيطرة جيش النظام على القصير. وقال مسؤولون في المعارضة السورية إن آلافًا من مقاتلي حزب الله والمستشارين الإيرانيين نُقلوا إلى جبهة حلب للمشاركة في العملية. لكن بعدما أوقفت قوات المعارضة تقدم دبابات النظام شمال المدينة، لم يكن هناك ما يشير إلى الهجوم الذي توعد به النظام.

وشنت قوات المعارضة هجومًا مضادًا في شمال شرق المدينة وغربها، مسلحة بصواريخ جديدة مضادة للدبابات ومعدات عسكرية متطورة، قال أحد المقاتلين إنها وصلت حديثًا. وأوضح المقاتل محمد عبد الله على جبهة بستان الباشا في شرق حلب أن قوات المعارضة تقدمت إلى مركز البحوث الزراعية، لكن الهجوم توقف بعد تطويق مقاتلي المعارضة في كنيسة وإجبارهم على التراجع.
وأُطلق على العملية اسم معركة القادسية، تيمنًا بهزيمة الفرس أمام الجيوش العربية في القرن السابع، في إشارة إلى المستشارين الإيرانيين الذين يساعدون جيش النظام.

وقال العقيد عبد الجبار العكيدي، رئيس المجلس العسكري في حلب، لصحيفة ديلي تلغراف، إن قواته تهاجم قوات النظام، مضيفًا أن النظام اندفع متقدمًا في شمال المدينة، quot;لكن الجيش الحر أنزل بقواته خسائر كبيرة، فعاد إلى قواعدهquot;.

قوة نارية كثيفة
كانت معركة القصير أكبر انتكاسة ألمّت بقوات المعارضة منذ انسحابها من حي بابا عمرو في حمص، بعد حصار مديد في شباط (فبراير) من العام الماضي. وجاء إعلان أوباما قراره تسليح المعارضة بعد معركة القصير مباشرة. وقال محللون عسكريون إن معركة القصير كشفت أيضًا عن مواطن ضعف تعانيها قوات المعارضة على مستوى التخطيط والتنسيق.

وكان العقيد العكيدي وعبد القادر صالح، قائد لواء التوحيد، بادرا إلى تنفيذ عملية إنقاذ قبيل سيطرة قوات النظام على القصير.واتضح من أحاديث مقاتلين لصحيفة ديلي تلغراف وشهادات لاحقة أن العملية كادت تبوء بالفشل، وتنتهي بمقتل القائدين العكيدي وصالح، وبذلك توجيه ضربة قاصمة إلى معنويات المقاتلين. وكانت وسائل إعلام النظام إدعت أن قواته قتلت صالح، لكنها سرعان ما سحبت ادعاءها، وعاد العكيدي وصالح الآن إلى حلب للإشراف على دفاعاتها.

وتكبدت قوات المعارضة المشاركة في عملية الإنقاذ خسائرها الأولى حين دخلت حقل ألغام زرعها النظام، متسببًا في تدمير ثلاث عربات ومقتل تسعة مقاتلين. وحينذاك اتضح أن قصف النظام لمدينة القصير كان قصفًا همجيًا لم يعرف المقاتلون نظيرًا له من قبل.
وقال عطا عكرمة، والد زياد (27 عامًا) أحد المقاتلين التسعة، الذين فقدتهم قوات المعارضة في ذلك اليوم، أن ابنه اتصل به هاتفيًا قبل نصف ساعة على مقتله quot;وطلب مني المغفرة والصلاة من أجل استشهادهquot;. وأضاف: quot;قال لي إن قصف المدينة كان كثيفًا للغايةquot;. وأكد العكيدي لديلي تلغراف أن القوة النارية كانت ساحقة، quot;ولم أر شيئًا كهذا في حياتيquot;.

حلب غير
حين وصل رتل التعزيزات أخيرًا إلى القصير، اكتشفوا أن المقاتلين داخل المدينة كانوا يخططون للانسحاب، في مثال على غياب التنسيق، الذي يؤثر في فعالية العديد من ألوية المعارضة. وكشف العقيد العكيدي أن بعض القادة فقدوا إرادة القتال في المدينة، لكن المدافعين عن المدينة وافقوا على البقاء، وصمدت المجموعتان الموجودة في الداخل والقادمة لنجدتها خمسة أيام أخرى، لكن القادة اتفقوا في النهاية على أن لا خيار سوى الانكفاء، وأخذوا معهم آلاف الجرحى والمدنيين النازحين.

وأظهرت أشرطة فيديو، أكد صحتها مقاتلون انتقلوا إلى لبنان وحلب، سيلًا من المدنيين الغاضبين، غالبيتهم رجال، ولكن بينهم نساء وأطفال أيضًا، يشقون طريقهم بصعوبة عبر الحقول والبساتين. وتعرّضوا خلال مسيرتهم إلى هجمات متكررة قبل أن ينتشروا في مجموعات صغيرة. وتعيّن على الطابور المتوجّه إلى حلب أن يخترق خطوط النظام تحت القصف.

وقال العكيدي إن معركة حلب غير معركة القصير، فحلب مركز حضري كبير، وقوات المعارضة متحصنة فيه تحصينًا جيدًا. كما تقع المدينة في قلب منطقة ذات غالبية سنية تعتبر معقلًا للمعارضة، في حين أن تركيا، التي تشكل قناة رئيسة لإمداد قوات المعارضة بالسلاح، لا تبعد إلا 40 كلم. أما القصير فتقع قرب لبنان، حيث حزب الله على مرمى حجر.

قطر وألويتها
تبقى إمدادات السلاح ووحدة فصائل المعارضة عاملًا حاسمًا. وقال المقاتل عبد الله على جبهة بستان الباشا إن نقص السلاح يعني أن مقاتلي المعارضة لن يتمكنوا من تحقيق تقدم يُذكر ضد أكثر من 4000 جندي من جيش النظام.

وأشار إلى أن خط الجبهة في المنطقة لم يتغير عمليًا منذ ستة أشهر. وكان العكيدي أعلن استقالته من مجلس القيادة العسكرية العليا لهيئة الأركان التي يرأسها اللواء سليم إدريس، قائلًا إن إمدادات السلاح ما زالت تُرسل إلى الألوية التي يحددها المانحون، مثل قطر، بدلًا من مرورها عبر هيئة القيادة المركزية.

ونقلت صحيفة ديلي تلغراف عن العكيدي قوله: quot;بعض الأسلحة الجديدة قُدمت إلى الوية مختلفةquot;، في إشارة إلى تقارير أفادت عن وصول صواريخ جديدة مضادة للدبابات. ولكنه أضاف أن المانحين ما زالوا يفضلون جماعاتهم. وأكد أن أهم دروس معركة القصير يُترجم الآن على أرض الممارسة، وهو quot;أن لا جدوى من انتظار العدو يأتي إليك، الهجوم أفضل أشكال الدفاعquot;.