لم يعش العلويون في سوريا يوما واحدا في امن وطمأنينة. منذ العهد العثماني، اي ما يقارب من 500 عام، عاش الانسان العلوي منبوذا ومحتقرا وخائفا ومطرودا من المدن والمجتمعات السنية، بإستثناء فترة الاستعمار الفرنسي نسبيا. معاهدة سايكس بيكو المشؤومة وضعت في الاساس لتكريس الهيمنة السنية على المنطقة بدءاً من العراق ليشمل سوريا وبقية الدول العربية كاستمرار للنظام العثماني.
حتى في الاربعين سنة الاخيرة التي استولى فيها العلويون على الحكم في سوريا لم يتخلصوا من هاجس القلق والرعب خوفا على سقوط نظامهم وعودة السنة الى السلطة. لعل هذا الخوف كان السبب في تخبطهم في ادارة الدولة التي تصح عليها التسمية العامية quot;حارة كل مين ايدو الوquot;، يعني تحول البلد الى بيدر للنهب والسرقة، وصولا الى مجازر تدمر وحماة وغيرها.
من اهم الادلة على الهلع العلوي من المستقبل وان بقائهم في السلطة امر مؤقت هو ان الرئيس السابق حافظ الاسد امر بدفنه هو وقبل ذلك ابنه باسل في مسقط رأسه، اي في المنطقة العلوية تحسبا لما يحدث في هذه الايام، ولم يكن مخطئا في حدسه، اذا لم نقل انه كان قد خطط بعناية لهذا الوضع الحالي في سوريا.
اخيرا حدث ما كان يخشاه بل حدث الذي كان لابد من وقوعه العلويون بعد 40 عاما من السلطة ارتكبوا فها كل الموبقات من سرقة ونهب وظلم وخرق كل المحرمات. حتى هذا اليوم لم يتجرأ العلويون على اقامة دورالعبادة الخاصة بهم لاقامة الشعائر الدينية للمذهب العلوي، ولم يفصحوا في يوم من الايام عن عقائدهم وذلك بسبب الشائعات الكاذبة الشنيعة حول بعض العادات الاجتماعية التي الصقت بهم والتي لا يمكن ذكرها احتراما للكرامة الانسانية.
لازلنا نسمع الاسطوانة المعروفة وهي ان سوريا لم تكن طائفية في يوم من الايام! وكأن ترديد شعارquot;لا للطائفيةquot; امر كاف لازالتها. لم تخلو سوريا من التفرقة الطائفية اطلاقا كما ورد آنفا وكل ماعدا ذلك نفاق وكذب وخداع للذات، وان مايحصل الآن وفي المستقبل القريب هو نتاج طبيعي ضد الظلم والطغيان السني التاريخي ضد العلويين. الدروز ايضا تجرعوا نفس السم.
عام ونصف العام مضى على الحرب الاهلية وهناك استقطاب طائفي ملؤه الحقد والانتقام بين السنة والعلويين. هل يمكن لعاقل ان يظن ان العلويين سيرضون بالعيش مرة اخرى تحت نير الظلم العربي، بما يعني ذلك من تاريخ مليء بالكوارث والنكبات، في حين ان امامهم احتمال قوي للتخلص من ذلك والى الابد وبيدهم مقومات تشكيل دولتهم المستقلة ليعيشوا احرارا يعبرونعن انفسهم حسب معتقداتهم مثل كل الشعوب والطوائف على وجه البسيطة، عوضا عن كل تلك الصلوات والعبادات الرسمية السنية الكاذبة في المساجد، مضطرين او منافقين!.
ماهي مقومات تأسيس دولة علوية في سوريا؟.
اولا: الطائفة العلوية طيف متجانس جغرافيا واجتماعيا ودينيا، وتم فرض الاضطهاد والظلم عليه بقوة السلاح ولمدة خمسة قرون.
ثانيا: تجربة طويلة في ادارة الدولة لمدة اربعين عاما الاخيرة، بما في ذلك العلاقات الدلبلوماسية والصفقات الدولية وصداقات ومصالح مع اصحاب القرار السياسي والمالي في العلم اجمع.
ثالثا: الطائفة تملك من الموارد المالية الهائلة في الداخل والخارج تكفي لادارة دولتها لعدة سنوات وتلك الاموال لازالت تستثمر وبارباح خيالية في عالم الرأسمال.
رابعا: الطائفة لديها جيش قوي من ابنائها واسلحة متطورة وتجربة فريدة في الاستخبارات والقوى الامنية والتجسس.
خامسا: الطائفة تملك جيشا آخرا من طراز فريد وسيفدي بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على مانهبه من ثروات هائلة، وما اقترفوه في سبيل تلك الثروات من جرائم، وبذلك يكون هذا quot;الجيشquot; قد ربط مصيره بمصير النظام حتى النهاية. هذا quot;الجيشquot; يشبه الجيش الانكشاري العثماني حيث كانوا يُفصل افراده عن عائلاتهم وهم اطفال ليخدموا السلطنة والسلطان الى آخر نفس في حياتهم حيث تربى هذا الجيش على ايدي رجال الطائفة.
بين المعارضات السورية الحالية فلول لابأس بها من هذا quot;الجيشquot; العرمرم وليس غريبا ان يعود هؤلاء الى حضن quot;ولي النعمةquot; مرة اخرى في الدولة العلوية للاستمرار في تقديم الخدمات اللامجانية والتي تحتاج الى دهاء وتجربة خلاقة.
سادسا: حدود الغربية للدولة العلوية هو كل الساحل السوري اي البوابة التي توصلها الى كل اطراف الدنيا. هذه الدولة تستطيع العيش فقط على واردات السياحة من ساحل المتوسط الدافئ ابد الدهر كاسبانيا مثلا، وهي ثروة لاتنضب بعكس النفط وغيره.
وهنا لاننسى ان ابناء الطائفة العلوية يشتركون في كثير من مناحي الحياة مع الاوربيين مصدر السياحة، فلهم قيم حضارية مثل حرية الفرد وحق المجتمع في الاستمتاع بالحياة العصرية بعيدا عن التزمت.
هل اصاب العلويون خلل عقلي حتى يقبلوا العيش في مجتمعات سنية مغلقة على العصر تضطر فيها المرأة العلوية الى لبس الحجاب وما شابه؟
سوف يتخلص العلويون من ترديد اسطوانات quot;العربquot; وquot;العروبةquot; وquot;الصهيونيةquot; الى آخر تلك المفردات التي رددوها حتى بحت حناجرهم نفاقا ودجلا، بل وحتى كادت حبالهم الصوتية تصاب بالسرطان من كثرة استعمالها على مر العقود، وهي نفس العبارات التي كانت السبب في تضخم كروش ابطال ساحات ومعارك الموائد ذوات الخمس النجوم حيث يتعرضون الآن الى منافسين جدد من quot;مناضليquot; المعارضات السورية لمدة عام واكثر.
يبقى السؤال الاهم وهو: هل هناك قوى اقليمية او دولية ترفض اقامة مثل هذه الدولة؟. ومن هم الذين يدعمونها؟.
نناقش ذلك في الحلقة القادمة.
طبيب كردي سوري
[email protected]
التعليقات