quot;علمتنا الرأسمالية المتوحشة منطق الربح بأي ثمن، والعطاء من أجل الحصول على مقابل والاستغلال دون التفكير في الناس... ونحن نرى النتائج في الأزمة التي نشهدهاquot; كانت هذه كلمات بابا الفاتيكان عند زيارته لمطعم للفقراء منذ بضعة أيام. وقد قدرت منظمة الجوع العالميةعدد الجياع في العالم بأكثر من مليار نسمة في عام 2010 ممن لا يجدون قوت يومهم يتركز معظمهم في آسيا وأفريقيا. وهي بدون شك وصمة عار في جبين الإنسانية ولا يشفع لها التقدم العلمي طالما أنه عاجز عن سد رمق مليار إنسان.
يعود تفسير الرأسمالية المتوحشة إلى الأساس الذي قدمه جون مينارد كينز في بداية القرن العشرين حيث ساد الفكر الاقتصادي التقليدي اعتقاد راسخ أن الادخار والاستثمار سيتساويان بالضرورة عن طريق آلية سعر الفائدة، وسيتحول بالضرورة كل ادخار إلى استثمار عند تغير سعر الفائدة، لاعتقادهم أن هناك قوانين طبيعية تعمل على إعادة التوازن الكلي للاقتصاد كلما تعرض للاختلال، ومن ثم فلا داع لتدخل الدولة، غير أن الواقع العملي اثبت فشل التلقائية التي يسير وفقا لها نظام السعر وقانون السوق في الاحتفاظ بالطلب الفعلي عند المستوى اللازم لتحقيق التشغيل الكامل، حيث أظهرت التجربة العملية والممارسة الميدانية لآلية السوق تعرضه لصعوبات اقتصادية، كان أكثرها حدة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، حين حدثت الأزمة المالية الكبرى في ثلاثينات القرن الماضي العالمي في الولايات المتحدة. فالركود التضخميSatgflation هو تعبير يعني أنه عندما يكون هناك ركود اقتصادي وبطالة فمن الطبيعي أن تنخفض الأسعار حسب نظرية كينز ولكن الواقع يدل على عكس ذلك فمع زيادة الركود يزيد التضخم مما يثبت فشل نظرية كينز. فقد ألقت الأزمة بثقلها على معظم الدول الرأسمالية خاصة الأوروبية منها، فتوقفت الآلة الإنتاجية، نتيجة ضعف الطلب الكلي عن العرض الكلي، مما أدى إلى غلق معظم المؤسسات المالية الإنتاجية، وإفلاس العديد منها، نتيجة تحقيق خسائر بالغة، فأدى ذلك إلى ضعف دافع الاستثمار، فكانت النتيجة الحتمية والمباشرة لذلك، تسريح العمال، وانتشار البطالة، -قدرت البطالة نهاية 1933 نحو 25%، وكانت لا تتعدى نسبتها في أوروبا 1926 نسبة 2%.
وحديثا فقد برزت نظرية الهابيتوس لبيير بورديو الذي اثار قضية التلاعب بالعقول وقتل الآيدولوجيا من خلال العولمة المتوحشة التي أودت بالعالم إلى كارثة حقيقية متمثلة بالفقر وتسابق وحشي للربحية على حساب المجتمعات الاستهلاكية من خلال هيمنة ثقافية قوضت المفاهيم الفكرية التقليدية ورسخت آلية الشعوب وقيادتها كالقطيع. وتفننت في سبل تقديم الثقافة الجديدة في مصطلحات وتبريرات جديدة لاستغلالها البشع وقد غزا الإنترنت بيوت الناس بمن فيهم الفقراء وغسل أدمغتهم وصار الجميع يسعى للاستهلاك والاقتناء والامتلاك وغزا التضخم المجتمعات الاستهلاكية وضعفت القوة الشرائية للمدخول الفردي.
وحين أدركت الدول المتقدمة أن آليات السوق تحدث خللا واضطرابا ذا عواقب وخيمة، تدخلت الحكومات بقوة ببرامج الرعاية الاجتماعية من خلال برامج الضمان الاجتماعي وتوفير الاحتياجات الأساسية من معاشات وتعليم وعلاج مجانا. وكان ذلك عليها يسيرا بالنظر إلى أنها تمتلك الإيرادات الكافية كونها دولا صناعية تتمتع بحركة تصدير نشطة وإيرادات غير محدودة.
وهنا ظهر عجز الدول المتخلفة التي لا تمتلك مقومات الإنتاج ومنتجاتها ضعيفة وغير قادرة على التنافس وبالتالي فإن الحكومات لا تحصل على إيرادات كافية لتنفيذ برامج الرعاية الاجتماعية. وتظهر سخرية الموقف عندما يفرض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على الدول المقترضة إجراءات التقشف وتقليل الإنفاق العام وهي بذلك تحكم على الشعوب بالموت جوعا ومرضا. وعلى الرغم من إجبار الدول المتقدمة للدول المتخلفة على فتح أسواقها أمام البضائع الغربية بتسهيلات فائقة لتجني شركاتها أرباحا خيالية مستفيدة من موادها الأولية والأيدي العاملة الرخيصة وأسواقها الاستهلاكية، إلا أنها غير مستعدة لنقل التكنولوجيا ومساعدة تلك الشعوب على الانتقال من فئة الاستهلاك إلى فئة الإنتاج. وهي تشن حروبا شرسة في سبيل فتح الأسواق والاستحواذ على إمكانات الدول الفقيرة دون مقابل. أي أن الرأسمالية المتوحشة حولت الاحتلال العسكري إلى احتلال اقتصادي وإذا تعذر ذلك فإنها تلجأ إلى استخدام القوة العسكرية تحت مسميات مختلفة مثل quot;نشر الديمقراطيةquot; و quot;محاربة الإرهابquot; وغيرها.
التعليقات