صعوبة الأداء والحكم تلخص واقع أربع أشهر لأول حكومة تونسية بعد الانتخابات وتعاملها مع ملفات كثيرة ومتشعبة نجحت في معالجة بعضها وترددت في علاج البعض وفشلت بامتياز في علاج أكثرها، خاصة عثرات سياستها الخارجية التي لم تعد تمثل في كثير من المواقف الوجه التقليدي للسياسة الخارجية التونسية العريقة والممتدة لعشرات السنين.

بين أحلام الحملة الانتخابية والواقع فرق صادم للطبقة السياسية التي لم تتوقع أن تكون الأوضاع سيئة بهذا الشكل على مستويات متعددة، وخاصة في مستوى العلاقات مع النقابات وارتفاع سقف مطالبها بشكل غير مسبوق أودى لتجفيف أهم مصادر دخل الدولة في ظل شلل تام لمؤسسات إنتاج وتصنيع الفوسفات التي تدعم الميزانية بما يقارب ملياري دولار سنوياً.

عملية باردو الإرهابية زادت من أزمات الوضع الاقتصادي الصعب والموسم السياحي الذي توقع الكثيرون نجاحه تهاوى بعد العملية مما زاد في تعقيد الأزمة وأوصل الحال لتوقع تراجع نسبة النمو لما يقارب الصفر مما يهدد بأزمات قادمة صعب توقع نتائجها.

في ظل النتائج السلبية نحج الجيش والأمن في تحقيق حالة من الارتياح الشعبي في مواجهة الإرهاب، وانتقاله لمرحلة تجفيف الينابيع وتدمير مواقع الارتكاز وضرب المجموعات الإرهابية قبل تحركها مما أعاد الثقة للشارع بنجاعة أداء قوات الجيش والأمن في معركة الحرب على الإرهاب.

الأوضاع في ليبيا وتعامل الدبلوماسية التونسية معها أكبر إخفاقات الحكومة وفشل إدارة الملف وتضارب مصالح الدولة مع أطراف تدفع بكل ثقلها للاعتراف بحكومة "الأمر الواقع" في طرابلس المسيطرة عليها عصابات فجر ليبيا وسوء تصرف الحكومة الشرعية في طبرق بالتعامل مع الظروف الصعبة لتونس في علاقاتها مع الملف الليبي دفع الخارجية التونسية للسقوط في المستنقع، وعملية اعتقال الإرهابي وليد القليب وما انجر عنها من اقتحام مقر البعثة الدبلوماسية التونسية في طرابلس وخطف الدبلوماسيين العاملين فيها شهرين بعد افتتاحها يعكس حالة الفشل في التقييم وإدارة ملف العلاقة الشائكة مع ليبيا.

شهرين بين افتتاح وإغلاق القنصلية العامة لتونس في طرابلس يعكس نتاج سريعة للأزمة والتخبط في التعامل معها وانعكاساتها السيئة على تونس، ويطرح سيل من الأسئلة عن كيف سيتم التعامل القادم معها خاصة في ظل تمادي عصابات وجماعات في فجر ليبيا بالاستهانة بتونس واستعمال المواطنين العاملين فيها كأوراق ضغط ومساومة في تعاملها مع الحكومة.

خسائر تونس من الوضع الليبي تفوق التقديرات والمخاطر المترتبة عن الانفلات الأمني هناك دفعت ثمنه غالياً في ظل احتضان فجر ليبيا للجماعات الإرهابية التونسية ودعمها وتسليحها وتدريبها، والعمليات الإرهابية التي شهدتها تونس كانت ورائها هذه الجماعات.

الأزمة الأخيرة دفعت بالنتائج السيئة لقرار فتح القنصلية في طرابلس ثم إغلاقها لسطح الأحداث وصار لزاماً على الحكومة اتخاذ إجراءات تتجاوز حدود قرار الإغلاق بإصدار قرار يحد أو يمنع التونسيين من التنقل إلى ليبيا كإجراء أولي لتخفيف من سياسة الابتزاز المستعملة تجاه التونسيين ودعوة المقيمين لمغادرتها لأن واجب الدول حماية أرواح وكرامة رعاياها والتي أصبحت مهددة بعد عمليات الاختطاف التي شملت العشرات والتنكيل والاعتداء عليهم بيد عناصر عصابات فجر ليبيا.

ملف اقتحام القنصلية واختطاف الدبلوماسيين يفرض اتخاذ إجراءات تتناسب وحجم الجريمة التي اقترفتها هذه العصابات لأن انتهاك اتفاقية فيينا 1961 لحماية المقرات الدبلوماسية والعاملين فيها يضع من قام بالعمل الإرهابي تحت طائلة عقوبات مجلس الأمن الدولي، والسؤال المهم الذي يواجه الدبلوماسية التونسية المتعثرة كيف ستتعامل مع هذا الملف والسكوت عنه سيثير قلق كثير من دول العالم حيال التعامل مع الإرهاب ومواجهته.

الحكومة بنجاحاتها وفشلها تحتاج لإعادة تحديد أولوياتها المحلية والدبلوماسية والتحديات القادمة لا يمكن التعامل معها بنفس النسق السابق لأن المخاطر الخارجية والداخلية وصلت نسبة مرحلة أقرب للخطر من الوصول للشاطئ الأمان.