لأول مرة منذ وصوله إلى كرسي رئاسة الجمهورية، ظهر اليوم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالزي العسكري الذي كان قال عندما استقال من القوات المسلحة أنه تركه بدون عودة. ما أن رأى أشاوس الإخوان والقوى المتحالفة معهم مشهد الرئيس بالزي العسكري مجدداً حتى نصبوا له المشانق مدّعين صدق زعمهم بأن العسكر يحكمون مصر وبأنه تجب محاكم الرئيس بحجة انتحال صفة عسكري بدون وجه حق. ولكن بعيداً عن هراء الأخوان والمتحالفين معهم، جاء ارتداء الرئيس السيسي ليحمل معاني كثيرة.

المعنى الأول هو رفع معنويات القوات المسلحة ورجالها في حربها ضد الإرهاب. خاضت كتائب الجيش المصري في شمال سيناء معارك عسكرية رهيبة قبل ثلاثة أيام ضد عناصر "ولاية سيناء" بتنظيم الدولة الإسلامية. واجهت قوات الجيش في المنطقة المشتعلة هجمات منسّقة بحنكة، وضَحَّت بعدد من رجالها الذين دافعوا بشرف عن مواقعهم وعن سيادة مصر واسمها. ولهذا ربما رأى الرئيس السيسي أنه بارتدائه الزِّي الميداني فهو يظهر دعم القيادة المصرية لرجال القوات المسلحة ويؤكد أن كافة مؤسسات الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية لن تتخلى الجيش في الأوقات العصيبة التي يخوضونها.&

المعنى الثاني هو رسالة تأكيد للقوات المسلحة بأن الرئيس لا يزال جزءاً منها. حين ترك المشير عبد الفتاح السيسي بإرادته الحرة منصبه العسكري كقائد عام للقوات المسلحة ووزير للدفاع العام الماضي، قال أنه لن يعود إلى الزِّي العسكري مرة أخرى، ولم يفعل السيسي طوال العام المنصرم الذي قضاه في رئاسة الجمهورية. لكن الرئيس أراد بارتدائه الزِّي العسكري التأكيد لرجال القوات المسلحة أنه شخصياً يقف في خندق واحد معهم وأنه لا يزال عسكرياً حتى وإن لم يرتد الزِّي الرسمي. رسالة رئيس الجمهورية هنا واضحة بأن القوات المسلحة ليست حزباً لا يجب عليه الانضمام إليه، وبأنه لا يستطيع الوقوف على الحياد إذا مس المؤسسة العسكرية سوء.

المعنى الثالث هو إبلاغ المصريين أن مصر تخوض حرباً حقيقية وأنه شخصياً يعمل ويشارك في مواجهة الإرهاب وأنه سيفعل كل ما بطاقته للانتصار على من يسعون لتدمير البلاد. لا شك في أن المصريين انتابتهم مشاعر قلق غير مسبوقة بعد الهجمات الإرهابية في منطقة الشيخ زويد الأسبوع الماضي. كان عدم ظهور الرئيس ليتحدث كعادته للشعب عن الهجمات ودحض الجيش للمهاجمين سبباً في تساؤلات كثيرة. وكان رد السيسي على التساؤلات جاء عملياً بارتدائه الزِّي الميداني ليقول للشعب أنه ليس وقت الكلام ولكنه وقت العمل، وأنه يشارك بنفسه في العمليات ضد الإرهاب.

المعنى الرابع هو توصيل برسالة للعالم الخارجي مفادها: أولاً أن الإرهاب بلغ درجة غير مسبوقة من الخطورة لدرجة تطلبت نزوله شخصياً إلى أرض المعركة. ثانياً أنه يعمل باستقلال ولا يخضع لضغوط وأنه لا يهتم بما يقال في الخارج عن أن العسكر يحكمون مصر وأن مصر تتراجع عن وعودها بالديمقراطية وبالفصل بين العسكرية والمدنية. ثالثاً مطالبة قادة العالم بعمل جدي وحقيقي وفعال لمواجهة الأخطار غير المسبوقة التي يشكلها الإرهاب.

المعنى الخامس وهو إبلاغ الإرهابيين بأن مصر من رئيسها إلى أصغر عسكري فيها يشاركون في القتال وأن مصر ستتعامل معهم بأقصى درجات الحزم والصرامة. كما أراد الرئيس القول للإرهابيين بأنه يشارك في الحرب ضدهم ولا يخشى التهديدات ولا يهاب الموت.

من المؤكد أن كل هذه المعاني تحمل قدراً كبيراً من الإيجابية، وقد كان ارتداء الرئيس الزِّي الميداني قراراً شخصياً. وتبقى الحاجة لهذا القرار خاضعة لحسابات السيسي الشخصية. أعتقد أنه دارت برأس الرئيس قبل إقدامه على ارتداء الزِّي تساؤلات مثل كيف يستقبل المصريون الأمر؟ وإن كانوا سيرونه أمراً طبيعياً أم استعراضياً؟ وكيف يؤثر هذا على معنوياتهم وعلى ثقتهم في القوات المسلحة وعلى إيمانهم بصدق البيانات العسكرية التي تحدث عن رحيل ١٧ ضحية فقط من رجالها في الوقت الذي تحدثت فيه وكالات الأنباء عن العشرات من الخسائر البشرية؟

يبقى القول بأن عبد الفتاح السيسي لم يكن الرئيس المصري الوحيد الذي ارتدى الزِّي العسكري؛ فقد فعلها من قبله جمال عبد الناصر وأنور السادات خلال فترتي حكمهما اللتين شهدت حروباً. كان حسني مبارك هو الرئيس المصري الوحيد الذي لم يرتد الزِّي العسكري لأن مصر لم تدخل حروباً طوال فترة رئاسته التي امتدت ثلاثين عاماً.

&

[email protected]

&