أعمال العنف التي يتعرض لها الأقباط (الإخوة في الانسانية والوطن) بين حين وآخر في صعيد مصر، مرة بسبب اشاعة عن علاقة عاطفية بين امرأة مسلمة ورجل قبطي، ومرة بسبب اشاعة عن النية في بناء كنيسة في احدى القرى المصرية. اعمال العنف هذه – التي لم تستثن كذلك معتنقي الديانات السماوية والمذاهب الاسلامية الاخرى في بعض الدول الاسلامية مثل باكستان وافغانستان ونيجيريا - تستند في تنفيذها على الفكر التكفيري الذي يعتقد معتنقيه انهم اصحاب الحق وانهم وحدهم الفرقة الناجية، اما الباقون فهم كفار وفاسقون ومفسدون في الارض، يحل دمهم وعرضهم ومالهم.

الفكر التكفيري (او الاصولية العقائدية) الذي تتكئ عليه حاليا داعش واخواتها لتبرير جرائمهم، تمتد جذوره لقرون مضت ويغذى بطرق مختلفة، وحتى يومنا هذا هناك كتب دينية تدرس في الكثير من الجامعات والمعاهد الدينية في بعض الدول العربية والاسلامية، حيث تحتوي هذه الكتب على مواضيع تكفر معتنقي الديانات السماوية والمذاهب الاسلامية الاخرى. اضافة الى هذا، هناك الكثير من الخطباء في الجوامع والمساجد (بل وفي البيت الحرام والمسجد النبوي الشريف) يحرضون علانية بعد كل صلاة على ممارسة العنف ضد كل من يخالفهم الدين والعقيدة. هذه الحقائق ما لم يسلط الضوء عليها وتناقش بصراحة فلن نستطيع مواجهة ومعالجة العنف الاصولي المدمر للبشر والاوطان، وكفى ما اصابنا من دمار مادي ومعنوي نتيجة التستر على هذه الممارسات غير الانسانية التي يدفع ثمنها الابرياء من المواطنين بين فترة واخرى.

الصحوة الاسلامية التي عمت العالمين العربي والاسلامي منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي اقتصرت على الجانب العقائدي، اي العبادات فقط، واهملت الجوانب الاخرى المكملة للمنظومة الدينية اي الاخلاق والمعاملات والحقوق والواجبات. لهذا السبب نرى تفشي الفساد بكل انواعه في البلدان العربية والاسلامية كالرشوة وسرقة المال العام، والكذب والنفاق وسوء الاخلاق، وضياع الحقوق واهمال الواجبات.

الفكر الديني في وقتنا الحاضر يعيش ازمة حقيقية بين التبعية للموروث الديني المتمثل في الاجتهادات التي وضعها فقهاء القرون المظلمة، وما يفرضه الواقع المعاصر من قضايا فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية لم يعد من الممكن احتواؤها ومعالجتها في اطار ذلك الموروث التقليدي المتخلف.&

والفئة التي تعتقد ان كل شيء بالنسبة الى الدين الاسلامي قد تم وانتهى منذ القرن الثالث الهجري فيه الكثير من المغالطة والمبالغة، ويناقض القول بصلاحية الاسلام لكل زمان ومكان الذي يقتضي قدرة الاسلام من خلال الجهد العقلي للفقهاء على استنباط الاحكام الشرعية لمعالجة قضايا كل عصر، ولا يمكن عقلا ومنطقا ان يكون هناك اسلوب واحد فقط صالح للمعالجة لكل زمان ومكان.

هذه الأزمة تتطلب من رجال الدين التفكير والبحث عن حلول لمعالجة القضايا المستجدة على الساحة من منظور فقهي يعتمد على الاجتهاد ومحاولة إحداث التلاؤم بين الفكر الديني وقضايا العصر الحديث ومتطلباته. إن التجديد بشكل عام دليل حيوية لأي فكر وفي اي مجتمع، فالتجديد يظهر مدى استعداد المجتمعات لإعادة النظر فيما لديهم من موروث ديني وفكري وسياسي واجتماعي، ولا يستطيع اي مجتمع متدين او غير متدين ان يستمر في الحياة ما لم يكن لفكرة التجديد نصيب كبير في حياته وشؤونه العامة.&

المجتمعات العربية والاسلامية المعاصرة يمثلون جزء من العالم الحديث، ومن الضروري لتقدمهم أن يشاركوه قيمه وتطلعاته وهمومه. فموضوع الحريات ومنها حرية الاعتقاد وحقوق الإنسان والديمقراطية هي تراث البشرية جمعاء، وأي حديث عن خصوصيات اسلامية في هذه المجالات الحيوية تبدو حججا واهية، الهدف منه كما تظهر الوقائع هو تبرير سلوك الحكام ورجال الدين المتواطؤون معهم ضد المواطنين بالسيطرة على مصيرهم وعدم إشراكهم فيما يخصهم من حقوق عقائدية وسياسية واقتصادية واجتماعية.&

آخر الكلام: اتساءل، لماذا يمنع الأقباط من ترميم كنائسهم او بناء كنائس جديدة يحتاجونها نتيجة لزيادة عددهم الطبيعية؟ واتساءل كذلك، لماذا دائما يفلت المجرمون من العقاب على ما إرتكبوه من جرائم بحق أناس ابرياء؟&