وضع كاتبان وخبيران بارزان في مجال إدارة الأعمال هما جونسون وسكولز في عام 1988 شبكة الثقافة المؤسسية، أوضحا فيها أن الثقافة شبكة متداخلة ولا يمكن رسم استراتيجية الأعمال بدون وجود ثقافة منسجمة مع الاستراتيجية التي تطمح المؤسسة للعمل بموجبها. وكما يظهر الرسم أدناه أن الثقافة ليست أحادية الجانب بل تشمل جميع الجوانب المرتبطة بالحياة، وعليه لا يعتمد أصحاب الأعمال على الشهادات فقط في اختيار موظفيهم، فهم يحرصون على فهم شخصياتهم أولا، والمكان الذي تخرجوا منه وإنجازاتهم وخبراتهم والدورات التي تلقوها وغير ذلك من الجوانب كالهندام والشكل.&

تظهر الدوائر مكونات الثقافة وهي: في الوسط يوجد النظام العام ويقابلها الرؤية في التخطيط الاستراتيجي أي ما تطمح أن تحققه المؤسسة ويتفرع منها هيكل النفوذ والهيكل التنظيمي ونظام الجودة والطقوس والقصص والرموز. وباختصار فإن الثقافة تشمل جميع جوانب شخصية الفرد، بدءا من نظام الحكم إلى القصص التي يرويها الناس فيما بينهم والرموز التي يقدسونها أو يتشاءمون منها، والطقوس والاحتفالات ومن صاحب النفوذ الذي يقود الناس وما هو الهيكل التنظيمي في المؤسسة أو في الأسرة أو في المجتمع. ويسعى كل صاحب عمل إلى الارتقاء بالمؤسسة وحث الموظفين على الأداء الجيد ويبحث عن الحوافز كالرواتب المرتفعة والإجازات وغيرها من الامتيازات. فهل ينجحون في ذلك؟&

ربما ينجحون إذا كان العاملون يتمتعون بثقافة راقية، ويعتبرون العلم والعمل شرفا للإنسان، كما ينجحون إذا كان المتميز يلاقي ما يستحق على اجتهاده، وينجح كذلك إذا جعل صاحب العمل الموظفين شركاء معه في الأرباح بنسبة معينة، فيسعى الجميع إلى تحسين الأداء وعدم استغفال المسئول وإخفاء الأخطاء، وفي حالة غياب هذا كله، ينتشر الفساد والاختلاس والتغيب عن العمل والأخطاء، وربما يذكر القارئ أن شركة نستلة نزلت إلى السوق نسكافيه يوجد فيه قطع زجاجية، وهي من كبرى الشركات العالمية. بالطبع فالوضع يختلف شركة نسكافيه، لأن المنافسين كثر واستغلوا هذا الخطأ الفظيع ونشروه في كل مكان.&

لكن ماذا عنا نحن العرب؟ إن التهاون في جودة وكمية المنتجات منتشر، نظرا لانخفاض الرواتب والمزايا ويعمل الموظفون على أمل تحسين أوضاعهم بوظائف أخرى، أي أنهم لا يوجد لديهم انتماء لمكان العمل. أما في المؤسسات الحكومية، فإن الفاسد الأول هو رأس الهرم الذي لا يبذل كامل جهده لتحسين مؤسسته، وإذا ما كان مخلصا، فسوف يجد من يسحبه للأسفل ويفشل خططه، كما أن سيلصقون به مائة تهمة كيدية.&

أين يكمن الخلل؟ إنه في الثقافة، فإذا أردنا التعرف على الثقافة العربية، فلننظر إلى ما يتناقله الناس من قصص غالبا ما تتعلق بأشخاص وليس بأفكار والرموز التي يقدسونها والتي يتشاءمون منها، كما أنهم يهتمون بالطقوس والملابس وطريقة السلام والمجاملات والمجالس وإضاعة الوقت، والخوض في شؤون الآخرين الخاصة، فهي ملح طعامهم، والظهور بمظهر التقي الورع من خلال العبادات والملابس، وظلم الآخرين في الخفاء، ولو أنك قمت بتسجيل مكالمة لوالدتك، وقمت بتحليلها، ستجد أكثر من نصفها مجاملات ودعاء بالخير، وربما تكون لا تحب الشخص الذي تكلمه، ومع ذلك، تمطره بالدعاء بالخير له ولأسرته.&

إن تنقية الثقافة وغرس القيم الجيدة تحتاج إلى إعادة تربية وتأهيل، بحيث يتغير معنى الكرم والشرف والاعتزاز، وننتقل من حيز العمل غير المثمر إلى حيز العمل المثمر.&