لقد احتل مفهوم الحداثة أهمية كبيرة و شغل أذهان الفلاسفة والأدباء و كذلك علماء الاجتماع. لما يمثله هذا المفهوم من منزلة كبيرة في تاريخ الفكر الإنساني. و الحداثة مفهوم فلسفي مركب ماهيته و جوهره الكشف عن ماهية الوجود. وتتمثل الحداثة كما يمثلها (جدينز) في نسق من الانقطاع التاريخي عن المراحل السابقة حيث تهيمن التقاليد و العقائد ذات الطابع الشمولي الكنسي، فالحداثة تتميز بأنماط وجود و حياة و عقائد مختلفة. و وترتكز معظم تعريفات الحداثة علي فكرتين جوهريتين هما: فكرة الثورة ضد التقليد، و مركزية العقل. و يعرف ماركس و إميل دوركهايم و ماكس فيبر الحداثة بأنها تجسد صورة نسق اجتماعي متكامل و ملامح نسق صناعي منظم، و كلاهما يقوم علي أساس العقلانية في مختلف المستويات. كما تعني الحداثة الإبداع الذي هو نقيض الإتباع و العقل الذي هو نقيض النقل. فالحداثة مفهوم متعدد المعاني و يمثل رؤية جديدة للعالم مرتبطة بمنهجية عقلية مرهونة بزمانها و مكانها. و يري (نصيف نصار) في مجال التمييز بين الحداثة و التقليد أن الحداثة هي المفهوم الدال علي التجديد و اكتشاف الإبداعي. ويجب أن نشير إلي ملاحظة مهمة و هي غالبا ما يتم الفصل بين الحداثة و التحديث كمدخل منهجي لتعريف الحداثة بصورة علمية. ورغم هذا الفصل إلا انه يوجد تداخل بين المفهومين الحداثة و التحديث. وغالبا ما يتفق الباحثون علي استخدام الحداثة للإشارة إلي التحديث. فالحداثة موقف عقلي تجاه مسالة المعرفة.وإذا رجعنا إلي الجذور التاريخية لنشأة الحداثة فسوف نجد أن ديكارت الفيلسوف الفرنسي هو أب الحداثة و لا سيما في التفكير الفلسفي.لقد كان استخدامه للمنهج العقلي دورًا هامًا في تبديد ظلمات العصور الوسطي.كما أن منهجه ألشكي يعتبر من أهم مقومات الحداثة الغربية.و ترتكز الحداثة علي ركيزتين كما يري( ألان تورين ) العقلانية و الانفجار المعرفي. فالحداثة كما يري تورين هي عملية انتشار المنتجات العقلية و العلمية و التكنولوجية، وهي بالتالي رفض التصورات القديمة.فهي مذهب يسعي إلي نبذ القديم الثابت من القيم و الشرائع. و من أهم مرتكزات و منطلقات الحداثة: العقل و دوره في الحياة مبتدأ الحداثة و خبرها و لذلك فان هيمنة العقل و سيادته تشكل المنطلق الحقيقي للحداثة و أساسها المركزي. كما يلعب العلم دورًا هامًا و بارزًا في مفهوم الحداثة، كذلك تمثل الحرية شريان حيوي في مفهوم الحداثة. و يري (لوي ديمون) أن الحداثة ترتكز علي المحاور التالية: الفر دانية في مقابل حلول الفرد في الجماعة، التمييز المطلق بين الذات و الموضوع. وللحداثة أيضا أسس و خصائص منها: أنها مرحلة تبلغها المجتمعات الإنسانية من خلال عملية التراكم التاريخي، و الخروج من دائرة الوصايا التاريخية التي فرضت علي العقل الإنساني في عصور الظلام. كذلك تأكيد أهمية الوعي الإنساني و ضرورة الحضور الثقافي لهذا الوعي في مختلف مجالات الحياة حضورا يؤكد تزايد العقلانية و التنوير. وجذور الحداثة ترجع إلي الفلسفات اليونانية و الرومانية، كذلك العقيدة اليهودية و النصرانية، إذ أن كثير من الحداثين تأثروا بها و اتضح ذلك من أفكارهم و آدابهم، الشيوعية المتضمنة للمادية الجدلية. إذن الحداثة ثورة علي كل قديم في العقائد و القيم و هي تنطلق من العقل و التقدم التكنولوجي. وشهدت الحداثة و مازال تشهد نموا متسارعا في جميع ميادين المعرفة.إذن الحداثة تمثل مذهبا فكريا يرفض الثوابت و المسلمات القديمة. من هنا رأينا تغلغل الحداثة كمذهب في جميع مجالات الحياة و اعتناق الكثيرين لها.&

&