&"الثورة التي تستولي على السلطة تتحول إلى ما هو العكس، ومن&ثم تقلد ملامح النظام الذي قلَّبته، وكذلك أجهزته وطريقة عمله"&

اميل سيوران/ بحث في الفكر الوجودي

رحم الله من قال بأن الأنظمة الشرقية بكل ما فيها من عيوب تخلق معارضاتٍ على شاكلتها، وهذا على ما يبدو غير مختصر على الكتل السياسية وحدها، إنما تشمل كذلك الكتل الثقافية أيضاً، كما تشمل الأفراد مثلما تشمل الجماعات، وبهذا الخصوص كانت نسرين عبدالعزيز قد كتبت في أيلول 2011 مقالة تحت عنوان(معارضات تشبه حكوماتها) وقد نشرت المادة على موقع إيلاف آنذاك فتقول فيها الكاتبة بما معناه:" حلت علينا الثورات ولم تظهر دلالة واحدة تشير إلى اختلاف المعارضات عن السلطات التي يسعون إلى الإطاحة بها" ويبدو أن المثقف له النصيب الأكبر من التشبه بالسلطة باعتبار أنه مَن كان يُدافع عن الطاغية ويحارب بسيفه، وكان المثقف الشرقي غالباً بمثابة الحارس الشخصي على قصر أو حجرة السلطان وبابه، والذي ذكَّرنا بمقالة نسرين عبدالعزيز ومحاكاة المثقفين للسلاطين، هو ما كتبه منذ أيام الروائي السوري فاضل السباعي، وباعتبار أن اللاشعور هو الأصل المشترك لدى السلطان ومشرعنه أي المثقف، لذا لم يختلف رأي الروائي عن رأي بشار الأسد بخصوص ملة الكرد.&

حيث قال طاغية البعث بشار منذ ما يقارب العام في سياق مقابلة تلفزيونية بأن الكرد جزء من نسيج المجتمع السوري، وذلك في محاولة منه لابعاد الخصوصية القومية عنهم ومحاولة تذويبهم في مجتمعه العربي، فها هو فاضل السباعي يكرر وبحرفية عالية ما قاله رئيسه بشار وذلك بتاريخ7-9-2016 بقوله:" إنّ الأكراد، الذين دخلوا بلاد الشام برفقة بطل الأمة صلاح الدين الأيوبي، أو قبله أو بعده، يشكّلون، حيثما كانوا في المدن والأرياف، جزءا لا يتجزّأ من نسيج المجتمع السوري"، أما بخصوص كرد الشمال الجغرافي فكرر السيد سباعي نفس اسطوانة دهاقنة البعث ومؤرخيه وكُتاب تقاريره السياسية مثل منذر الموصلي وسهيل زكار، فاعتبر السباعي أن الكرد داخلين متموضعين قادمين، وربما لم يخطر على بال السباعي أن يسأل نفسه كعربي من أين أتى ومع أي قافلة من قوافل التجار أو قوافل الغنم والبعير وطأ بلاد الشام، والمثير في خطاب هؤلاء المثقفين المتشبهين بالسلطة الى حد المطابقة أن واحدهم لا يُخرج معلوماته كالمواطن الأمي الفشار إلَّا من تحت إبطه، وكأن الرجل من خلال الكذب المحمود والمتلاحق في الرواية استساغ العملية برمتها، وحاول أن يُسقط تلك الأكاذيب والأوهام التي يؤمن بها في الحبكة الرواية في الحياة الواقعية ونسي أن المعلومات التاريخية تتطلب الصدق والأمانة وليس الوهم والكذب والاختلاق، وهي من المؤكد سببها الرئيس العماء القومي ليس إلا، لأن العماء القومي هو الذي يدفع بالمرء للقتال باسمها أو الدفاع عنها بطريقة تُعارض العقل والمنطق والمنهجية العلمية، وذلك بسبب ابتلاء المرء بالعماء الفكري والعماء السياسي الصرف.

فلا ندري حقيقة من أين استقى السيد سباعي علومه التاريخية ومعارفه حتى يعتبرنا قادمين الى سوريا البعث منذ عام 1925، وهو ما ذكرني بثلاثة شخصيات كان يتم الحديث عنهما في مجمل ناحية جنديرس في منطقة عفرين، وهم فعلاً من الذين تم نفيهم من تركيا بعد تقهقر ثورة شيخ سعيد بيران في تركيا، وكان اثنان منهم من سكان منطقة (وان) بتركيا، أحدهم كان يُدعى محمد آغا وعمل كمعاون ومساعد في كروم جدي إيبش حج كَه به في قرية كوردان، والشخصية الثانية كانت اخته وتعرَّف عليها محمد بعد عشرات السنين لأنهم حين النفي والتهجير كانا صغاراً جداً حيث اكتشف فيما بعد بأن اخته متزوجة في قرية (قربة) وهي قرية تابعة لناحة جنديريس، والشخصية الثالثة كانت ابنة شيخ سعيد بيران نفسه الذي قاد ثورته ضد النظام التركي عام 1925 وهي كانت متزوجة من أحد سكان منطقة عفرين، فهؤلاء فقط ما نتذكرهم في مجمل ناحية جنديريس من القادمين بعد النفي والتهجير من تركيا الى منطقتنا، وهم ربما من يقصدهم السيد الروائي، كما ويمكننا أن نستشهد هنا بالمعارض الكردي حسن شندي الذي دفعه فضول البحث يوماً في عام 1996 قاصداً دائرة قيد النفوس بناحية راجو ليعرف عن جده أو شجرة العائلة بشكلٍ خاص حيث عرف وقتها من دائرة النفوس في الناحية بأن هنالك عوائل موجودة في قرى عفرين قبل عام 1780 بكثير وحيال ذلك سينشر في الأيام القادمة بحثاً عن ذلك الموضوع سعياً منه لإسكات أمثال فاضل السباعي ومهند القاطع وعبدالله أوجلان بما يجعلهم يخجلون مما يحبكونه بدوافع لا تمت للأهداف الانسانية بصلة.

&ولكن بعيداً عن الوقائع الحقيقية التي قد لا تروق للسيد الروائي، سننتقل إلى عالم المدوّن، وباعتبار أن السيد سباعي حلبي ويعتبر نفسه قارئاً جيداً ومهتماً بحقوق الأفراد والجماعات البشرية، أما كان عليه أن يبحث في مكتباتها وخاصة في المركز الثقافي العربي بـ: (حي العزيزية) أو دار الكتب الوطنية بـ:حي (باب الفرج) ويتصفح كتاب أحمد وصفي زكريا ‹عشائر الشام› 1917 الذي يقول فيه المؤلف: “على أنّ السواد الأعظم من عشائر الأكراد يقطن محافظة الجزيرة ويمتد من أقصى شمالها الشرقي في قضاء ديريك قرب نهر دجلة ويتجه نحو الغرب إلى قضاء القامشلي ثم إلى ناحية رأس العين»؟ وأمّا كان حرياً به قبل أن يصدر أحكامه تلك بأن يقرأ الكتاب الآخر لوصفي زكريا ‹جولة أثرية في بعض الأنحاء الشامية سنة 1934م›: حيث يقول فيه المؤلف العربي «والأكراد يكثر وجودهم في شمالي بلاد الشام على مقربة من الحدود التركية الحالية كالذين في شمالي نهر عفرين في الجبل المسمى جبل الكرد (كرداغ) والذين في حرة اللجة شمالي العمق وفي أقضية أعزاز والباب وجرابلس والأقضية في الشمال الشرقي من لواء الجزيرة الفراتية: وكل هؤلاء أكراد أقحاح لم تتصل إليهم العربية في شيء»، أو كتاب (سورية وفلسطين تحت الحكم العثماني) للدبلوماسي الروسي قسطنطين بازيلي الذي كان دبلوماسياً في سورية إبان الحكم العثماني خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، والذي يتحدث فيه عن أحداث احتلال ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا لمناطق كرداغ قائلاً:" بتحريضٍ من السلطان العثماني، نزلت جماعات كثيرة من كرداغ نحو ممتلكات القوات المصرية" وهو ما يدل على أن اسم كرداغ أي جبل الأكراد كان متداولاً قبل القرن التاسع عشر وليس حسب ما يريده السيد الروائي لإشباع أهوائه القومية.&

ولكن بما أن السباعي يقصد كل كرد الشمال وبكوني شخص كردي ومن سكان منطقة عفرين فالذي أعرفه بأن وجود الاخوة العرب في منطقتي لا يزيد عن 80 سنة حيث جاء بعضهم بحثاً عن الكلأ لماشيتهم، والدفعة الثانية من العرب جاءَ بهم حزب البعث والقانون العنصري الذي سُمي جزافاً بقانون الاصلاح الزراعي، حيث انتزع ذلك القانون البعثي الجائر الأراضي من الأغوات وأعطاها للعرب القادمين من محافظتي حلب والرقة، ثم أمَّا كان على السيد سباعي العودة الى ما كتبه المستشرقون ومعرفة أن الوجود الكردي في سوريا هي حقيقة تاريخية يعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، وتناولَ هذا الوجود مؤرخون وعلماء آثار لا علاقة لهم بالكرد لا من قريب أو من بعيد، إنما كل ما فعلوه هو أنهم اتبعوا المنطق العلمي المحض في التعرّف على الأمم الغابرة التي سكنت هذه الأرض وأقامت فيها حضارات قديمة لم تندثر آثارها حتى يومنا هذا، وأما كان على الشغيل الانساني أن يُراجع ما كتبه البروفيسور التركي اسماعيل بيشكجي أو المفكر العراقي هادي العلوي؟ ولكن يبقى الغريب في فايل الرجل أنه‏ مكتوبٌ فيه: كان يعمل ‏ناشط في مجال حقوق الانسان‏، ياترى ألم يتعرف هذا الروائي بعد على المواثيق والأعراف الدولية المعنية بحقوق الشعوب؟ ومكتوب أيضاً أنه كان يعمل لدى ‏خدمة الانسانية، فهل ياترى خدمته الانسانية تتطلب منه بأن يمحو تاريخ منطقةٍ أو ناسها لكي يتمم بنجاح ما تلقفه من سلفه السلطوي، وهل انسانيته تحتم عليه بأن يُكذّب علم التاريخ والجغرافيا كرمى أهوائه القومية،‏ ولكن يبقى الأنكى من كل هذا وذاك، أنه درس في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، أي أن الرجل ممن عليه أن يعرف ألف باء الحق والعدل والإنصاف!!!.