فاطمة آل تيسان& &

إذا كان للتطرف أنواع، فمعتنقوه أيضا أنواع، لا يندرجون تحت نموذج موحد في الفكر أو الميول، بل مختلفون باختلاف منهاجهم الفكرية ورؤيتهم التي قد تبنى على تعصب للنوع أو الحصول على مصلحة مادية أو قيمة اجتماعية تجعلهم يقفون في ذات الصف مع من يصنفون أنهم في ذروة السنام الاجتماعي، وهم بذلك يختصرون أقصر الطرق وأكثرها نجاحا في تحقيق الأهداف، والشرائح الاجتماعية المعتنقة لهذا السلوك المتشنج تتشابه تقريبا في سلك ذات الطرق، ولا يختلف مثقف له حضوره الطاغي في وسائل التواصل عن ذلك المغمور في حي قديم تهاوى أكثر معالمه، تطرفهم في النهاية يفضي إلى ذات الهدف، حل لمشكلة أو تحقيق مكسب أو علاج لشعور خفي بالنقص.

ومع وضوح سلوك المتطرف مهما حاول إخفاءه إلا أن البعض قد يتخذ من حراك ثقافي أو معرفي يقوم به ستارا يخفي توجهه الحقيقي، فترى طرحه في العلن يحارب هذا التوجه، ويوضح خطره على المجتمع غير أنه في الخفاء يعمل عكس ذلك! فهو منقب دائم عن أي مقاطع مرئية أو حتى خطب لجماعة من المرضى في جانب مخالف، ناشرا لها في مواقع التواصل أو مجموعة واتساب، وبعد أن يضيف عليها تعليقا مختصرا يفوح بعفن الطائفية ينسحب تاركا للبقية مهمة النقاش والسب واللعن وشحن الأنفس، حتى إن البعض تصل به الكراهية إلى أنه قد يفتك بالآخر المختلف معه إن صادفه في تلك اللحظة، والشحن الطائفي بهذه الطريقة هو الأخطر ويتبناه بعض الشاذين من مدعي الثقافة في أغلب الطوائف وليس في طائفة بعينها. ما هو محزن أنه ينظر إليهم على أنهم أصحاب العقول الراجحة والفكر التنويري وهم ضليعون وبقوة في هذا التصعيد، وحتى عندما يدعي بعضهم أنه خلاف ذلك فهو غير صادق، والتوجه المعرفي الذي يدعي أنه من أربابه لم يقتل فيه تلك السوداوية التي لا ترى الوطن إلا لها وحدها، وتحارب وتسخط على الآخرين المختلفين عنها فكريا أو مناطقيا أو طائفيا، عبر الإلغاء وحتى السخرية والتندر، وهنا يتضح أن التطرف لا يصنف تحت توجه واحد كما يحصره البعض في التوجه الديني، بل هو متشعب وبأنواع متعددة. وحتى نستطيع الحد منه يجب أن تسن عقوبات رادعة لكل من يجعل من تطرفه وسيلة لبث الفرقة والبغضاء بين أفراد المجتمع، حتى أولئك الذين لا شغل لديهم إلا شحن الرأي العالم بالكراهية والحقد عن طريق بث خطب وأحاديث المعتلين نفسيا وعقليا.

&