&"إذا كـــان ربُ البيتِ بالدفِ ضاربٌ فشيمـةٌ أهلِ البيتِ الرقصُ "
&
أجرت إحدى الفضائيات العراقية منذ مدة حلقةً تستطلع فيها القناة مدى معرفة المواطنين بحدود بلادهم، وذلك عن طريق سؤال المذيع عمن التقاهم في الشارع فيما يتعلق بالإشكالية الحدودية بين العراق والبصرة، وذلك عبر سؤالٍ ملغوم مفاده: أنه قبل اتفاقية سايكس بيكو دولة اليونان أخذت قطعة من مساحة العراق من جهة البصرة، إذ أن الأجوبة الغريبة والمفاجئة بينت أن جميع من ظهروا في استطلاع القناة صدّقوا أو كانوا مصدقين بأن اليونان تجاور العراق، وأن اليونانيين يحتلون جزءاً من الأراضي العراقية، بل ومنهم من قال بأننا سنرجع أراضينا ولو بالعنف والاكراه، وهكذا فقد أظهرت الحلقة مدى جهل الناس بحدود بلادهم ومَن يجاورهم، لكن هذا قد يبدو عادياً ومقبولاً بالنسبة لأناس أميين من عامة الشعب، أما عندما يصبح المثقف مثلهم لا يقرأ ولا يعرف شيئاً عن الموضوع الذي يتناوله فهذه هي الطامة الكبرى، بحيث يصبح حُكمه مثل حُكم أي نفرٍ من العوام، خاصة إذا كتبّ بناءً على التشنجات الطائفية أو الدينية أو القومية لدى العامة الذين بدورهم دفعوا المثقف الكبير الى محاكاة تصوراتهم.
إذ أنه من غير اللائق أن يدلي المرء برأيه حول موضوعٍ لا يعرف شيئاً عنه، فكيف به يكتب عنه بناءً على جهله به، وفوقها يريد أن يقنع الناس بوجهة نظره أيضاً، وهي لعمري خصلة من خصال الجهَّال وليس العلماء، وهذا المطب وقع به الكثير من الكتاب السوريين وغير السوريين ممن استجابوا لعاطفة الشارع السوري، وكتبوا بناءً على رغبة الشارع ربما من دون أي تفكيرٍ بالذي يكتبونه أو يصرِّحون به، وذلك إن كان في الذي يدونونه شيء من الصواب أم كان بمجمله مجافياً للحقيقة.
عموماً فيبدو بأن المضمرالذي ظهر فجأة لدى الكثير من النخب الثقافية في البلاد كان بفضل بالون الفيدرالية الذي أطلقه حزب الاتحاد الديمقراطي في سماء البلد، حيث ساهم البالون من غير دراية مطلقيه في كشف الوهم المشترك الذي كان يعيشه الكثير ممن يقطنون تلك الجغرافيا من مئات السنين، قبل أن يظهر بأن المنطاد كان مجرد آلة لجس النبض لدى النخبة والعوام على حدٍ سواء، إذ ثمة قامات فكرية انزلقت الى مستوى الشارع بتصوراتها وأفكارها حيال الموضوع الكردي ومنهم على سبيل الذكر وليس الحصر سلامة كيلة وميشيل كيلو، فالأول من خلال مقالته " الفيدرالية في سوريا" والمنشورة في العربي الجديد بتاريخ 24 من الشهر الماضي، حيث يظهر بأن الاستاذ كيلة لم يُطلع يوماً على أدبيات حزب الاتحاد الديمقراطي، وإلَّا لكان عرف ماذا يريد هذا الحزب، وهل أصلاً لدى هذا التنظيم مشروع قومي؟ أم أن مثله مثل الأحزاب اليسارية في الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا؟ فمعروف لدى كل من يعرف مسيرة هذا الحزب تهربه عن ذكر الحقوق القومية للكرد في أدبياته السياسية، كما لا يخفى على المتابع الكردي أن هذا الحزب لديه خطابان: واحد للعامة وحيال ذلك معلوم أنه شعاراتي ومشهود له باتباعه للوصايا التي تحدث عنها هتلر في كتابه كفاحي، حيث يوهم الناس باليافطات الضخمة والشعارات الفضفاضة ورفع سقف المطالب أمام أنصاره إلى أعلى المستويات، بينما برنامجه السياسي يناقض تماماً ما يدعو إليه أمام العامة، وهو بذلك حزب شبه سريالي، هلامي لا يُعرف له طعم ولا لون واضحين ولا حتى رائحة مميزة، كما أن القضية القومية للكرد في سوريا غير واضحة المعالم في كل أدبياته السياسية، والخطأ الثاني الفادح الذي وقع فيه الكاتب كيلة هو عدم معرفته مطلقاً بجغرافية المناطق الكردية في سوريا، وإلّا لما أدلى برأيه المغلوط ذاك، إذ وعلى مستوى وجود العرب في كوباني وعفرين قد لا يعرف السيد كيلة أن وجود الاخوة العرب ككتل بشرية في تلك المناطق يعود الى حزب البعث ومصادرته للأملاك من الاقطاعيين الكرد وجلب العرب من محافظات اخرى واعطائهم تلك الأراضي، كما أن في منطقة عفرين برمتها لم يكن ثمة وجود للعرب قبل الاصلاح العفلقي غير موظفي الدولة وبعض العوائل القادمين من لواء اسكندرون وفق معارفنا في كل المنطقة وكذلك ما ذكره الدكتور محمد عبدو علي في كتابه جبل الكرد (دراسة تاريخية اجتماعية)، وكذلك في كوباني الوضع لا يختلف عن عفرين، بالعكس تماماً إذ حتى مشروع الاستيطان الذي جاء به البعث وحاول تطبيقه هناك لم ينجح في كوباني بسبب مقاومة الأهالي لذلك المشروع العنصري، ذلك المشروع الذي قال فيه صراحة صاحب فكرتها محمد طلب هلال في دراسته عن الجزيرة، أن على الدولة أن تستفيد من التجربة الاسرائيلية وتتبع خطى اليهود وتطبيق تلك الخطة في سوريا، أي إقامة مستوطنات عربية في المناطق الكردية بالعنف والإكراه، وهو ما نجح فيح حزب البعث في محافظة الحسكة، حيث تم تطبيق مشروع الحزام العربي في الجزيرة بعرض من 10 إلى 15 كم وطول يزيد عن 75 كم، وقد تم ذكر تفاصيل الحزام والمستوطنات في كتاب المؤلف برزان مجيدو في كتابه التوثيقي المسمى" الحزام العربي في الجزيرة".
أما ما يتعلق بالاستاذ ميشيل كيلو فهو لم يكتب صراحةً ما كان يوده ولكنه عبَّر عن مكنونه شفاهة أمام وفدٍ من الأجانب، حيث اعتبر السيد كيلو أن جزيرة بوتان وآمد مدينتان عربيتان، وفي هذا الصدد حبذا لو كان كيلو قرأ شيئاً من كتابات البروفيسور التركي اسماعيل بيشجكي، أو استعان بمترجم ما وقرأ كتاب آمد( جغرافيا، تاريخ أدب) للمؤلفين آمد تيكريس، ويلدز جاكار وهو يتألف من 652 صفحة، وأيضاً كتاب: جزيرة بوتان التي سميت بجزيرة ابن عمر بعد الغزو الاسلامي لها وهو من تأليف: زولون آركون، كما ومن جهتي سألت بعض المختصين في تركيا منهم الناقد فرزان شير والباحث أدهم شيخو عن مدى مصداقية معلومات ميشيل كيلو، فأجابوا ضاحكين قائلين: باعتبار أن ميشيل كيلو كثيراً ما يتردد الى تركيا فنقترح عليه زيارة المدينتين على نفقتنا الخاصة، وذلك حتى يتأكد بنفسه من مصداقية أقواله وآرائه التي يظهر بأنها لا &توافق إلَّا هواه ومزاجه القومي. &
فمن خلال ما تقدم يبدو أن بعض المثقفين الكبار لا يختلفون عن العامة بشيء فيما يتعلق بأوهامهم وصورهم الذهنية المسبقة عن الآخرين، وإلا لما ركنوا بجوارهم في إصدار الأحكام وإطلاق التصريحات والاقوال اللامسؤولة، فأية نخبة هذه وواحدهم ينعت الكرد بالبويجية، وآخر من حقده على تلك الملة ينسب صلاح الدين الى أصولٍ سلجوقية، واسلامويٌ يقول بأن الكرد جاء بهم ستالين الى سوريا، وواحدٌ ليس سوري إنما فلسطيني ولكن بناءً على رغباته القومية يعرِّب منطقتي من دون أن يعرف شيئاً عنها، وآخر من حساسيته من الكرد يريد أن يعرِّب حتى جزيرة بوطان أي موطن البدرخانيين وعاصمة إمارتهم، وكذلك يريد أن يجعل من آمد ( ديار بكر) عربية صرفة باعتبار أن غزوات المسلمين طالت تلك المضارب.
وبالعودة إلى موضوع المثقف الذي لا يقرأ، وما كتبه الدكتور مصطفى عبدي على صفحته الشخصية قوله: "بأن الكرد مقصرون في تعريف الآخرين بقضيتهم" حيث حمَّل الكرد مسؤولية جهل الآخرين بهم أو تجاهل الآخرين لهم، وهي الحالة التي نحن بصددها الآن، إذ أن الكثير ممن يعدون من النخب الثقافية في هذه البلاد فمنهم من يجهل هذه الملة فعلاً، ومنهم من يتجاهلونهم عن عمد، وبالرغم من أهمية طرح الدكتور مصطفى عبدي إلا أن اقتراحه قد يكون مفيداً جداً بالنسبة للبسطاء من الناس الذين لا يعرفون شيئاً خارج مدنهم، أما مَن كان يعد نفسه باحثاً ومفكراً فهل ذلك الطرح يشمله، أم عليه قبل أن يصدر أحكامه أن يراجع الكتب ويتأكد من معلوماته (البعثية) قبل تعميمها على الناس، وباعتبار أن من نتحدث عنهم ليسوا من عامة الناس إنما من خواصهم، فيحضرني هنا بعض ما جاء في مقدمة الشاعر العراقي كاظم السماوي لديوان الشاعر الكردي شيركو بيه كه س، وقوله: "بأننا كما نقرأ الأدب الفرنسي والانكليزي والعالمي بوجهٍ عام فحريٌ بنا أن نقرأ لأدباء هم في مصافهم ومقيمون في جوارنا"، وبدورنا نقول طالما أن هؤلاء النخبة تعودوا على أن يقرأوا عن أبعد شعبٍ في العالم وأبعد نقطة في الكون، أما كان حرياً بهم أن يقرأوا أما كان حرياً بهم أن يقرؤوا شيئاً ما عن الكرد وعلىما عن الكرد شيئاً وعلى الأقل أن يتعرفوا على مناطقهم بعض الشيء بعيداً عن وصايا محمد طلب هلال ومؤسسي حزب البعث الفاشي.
&
&
التعليقات