&مصطفى زين

«عاصفة على الشرق الأوسط الكبير» عنوان كتاب للديبلوماسي الفرنسي السابق ميشال رامبو. يغوص الكاتب في تحليل عميق للعلاقة بين الغرب والعرب وبقية «العالم الثالث»، من وجهة نظر نادراً ما نقرأها لدى المثقفين الأوروبيين أو الأميركيين. لا يتوانى عن اتهام السياسيين وصناع الرأي العام بالتزوير. ليس لأنهم خاضعون لسلطات مستبدة، ولا لأنهم غير مطلعين على ما يدور من أحداث في العالم، أو تُحجب عنهم المعلومات، بل لأنهم يمارسون رقابة ذاتية نابعة من عمق الثقافة السائدة التي تعود جذورها إلى مئات السنين. هذه الثقافة تجلت سياسياً حروباً استعمارية متتالية استمرت قروناً. وأصبحت المفاهيم التي أفرزتها جزءاً مهماً من اللاوعي الجمعي، تنظر إلى الآخرين نظرة تعال واحتقار.

يكتب رامبو: «لا شيء يبعث على الضحك أكثر من عبارات قفزت إلى القاموس السياسي خلال العشرين سنة الماضية، منها: محور الشر ومحور الخير، المجتمع الدولي، الدول المارقة، من دون أن ننسى ديموقراطياتنا الكبرى، وحماة حقوق الإنسان، هؤلاء يقصفون الآخرين لمواجهة الدول الشمولية والأقل نمواً التي تهدد السلم، وأمن الولايات المتحدة، إذن تهدد العالم كله، علينا إبادة هذه الدول، فالثوار ممثلو الشعوب الشرعيون يطالبون بقصف بلدانهم بالقنابل... لقد عادت لغة الاستعمار بأشكال خفية لتكرس التفرقة بين النخبة المسيحية الأوروبية وبقية الإنسانية، مستخرجة من الأدراج هراء التفرقة العنصرية أو أسياد العرق الآري في مواجهة الدون...».

هكذا يعاد التركيز على هذه الثقافة العنصرية المتجذرة في الثقافة الغربية يعاد نشرها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن اللغة الديبلوماسية التي يفترض أن تكون مواربة أو أكثر حذراً لم تعد كذلك، يكفي أن نتذكر خطاب المحافظين الجدد في أميركا، ومنهم على سبيل المثال (المحارب) جون بولتون.

لكن هذه الثقافة لم تبق محصورة في الغرب، بل انتقلت إلى مثقفين كثر في العالم العربي. مثقفون لم يتورعوا عن طلب قصف بلدانهم للتخلص من الاستبداد والديكتاتورية، مثلما حصل في العراق وليبيا وسورية. يعتقد هؤلاء بأن انتماءهم إلى الغرب يحتم عليهم تبني هذا الخطاب البائس الذي يبرر العنصرية والقتل والدمار فإذ بهم يقعون ضحية جهلهم الثقافة الغربية الأكثر إنسانية والتي حققت إنجازات في الفكر والأدب والعلوم، معتقدين بأن جورج بوش أو هولاند أو فابيوس وبلير، وفيلسوف الحروب على العرب برنار هنري ليفي يمثلون روح هذه الثقافة.

يفرق رامبو بين نوعين من المثقفين السوريين، مثقفو النوع الأول يعملون لمصلحة مديريهم الغربيين لأنهم مدينون لهم بوجودهم الشخصي، والنوع الثاني معروف بمثقفي الداخل وهؤلاء مقاطعون لأنهم يرفضون التدخل الغربي في بلادهم. ويعطي الكاتب مثالين عن النوع الأول: برهان غليون وبسمة قضماني اللذين أصبحا نجمي برامج التلفيزيونات والإذاعات الفرنسية، ويسرد شيئاً من سيرة حياتهما وارتباطهما بالمؤسسات الغربية. يقول عن غليون أنه «كان معارضاً قبل ربيع دمشق». نشر عام 1978 «بيان من أجل الديموقراطية». وفي عام 1980 انتسب إلى الجامعة الفرنسية. وبعد عشرين عاماً أي فور تولي بشارالأسد السلطة شارك في ربيع دمشق الأول. في هذه المرحلة كان يرفض أي تدخل خارجي في سورية والعراق. لكن في آذار (مارس) 2011 بدأ غليون، بعدما أصبح في مركز جامعي مرموق، يظهر في الميديا وأصبح في 29 آب (أغسطس) رئيساً للمجلس الوطني فقطع مع ماضيه، وراح يدعو إلى التدخل الخارجي، بما في ذلك التدخل العسكري». (ص-374 و375).

أما عن قضماني فيكتب أنها: «مهاجرة من زمن طويل. وهي موظفة لدى فورد فاونديشن مديرة لبرنامج الحكم والتعاون الدولي. عام 2005 اتخذت موقفاً يدعو إلى قطع العلاقات بين دمشق وواشنطن. فعينت مديرة تنفيذية لمبادرة التغيير العربية، وهو برنامج بإشراف مجلس العلاقات الخارجية (الأميركي)، أو مركز أبحاث للمحافظين الجدد ... أعلنت قضماني أكثر من مرة أن الحوار مع النظام مستحيل. ولم تكن تمانع مطلقاً شن الحرب على بلادها».

نستطيع أن نذهب أكثر من رامبو في توصيف المثقفين العرب فبعضهم يعتقد بأن لقاءه كاتباً إسرائيلياً، ولو كان مغموراً، جواز سفر إلى قلب الغرب. وبعضهم زار تل أبيب والتقى شمعون بيريس، وعاد ليمدح الديموقراطية الصهيونية ويكتب الملاحم في مسألة الهولوكوست. ولم يرَ خلال زيارته ما يعانيه الفلسطينيون في ظل هذه الديموقراطية.