يعلم القاصي والداني وكل من يجرد نفسه من أي تفكير آيديولوجي، أو سياسي ضيق، أو عاطفي وساذج، ان إدعاءآت رجب طيب اردوغان بخصوص حرصه على وحدة الأراضي السورية ومحاربة الإرهاب، هي ليست سوى تلاعب مُهين بالعقل العربي من جهة، والتغطية على الهمجية التي يمارسها اليوم الجيش التركي، بحق الكرد في سوريا، من جهة أخرى.

فلنعلم أولاً ان أردوغان، غير مبالٍ أساساً بمآل جغرافيا البلدان العربية ولا بوحدتها أرضاً وشعباً، وكل من ينخدع بهذا الخطاب، فهو جاهل- سياسياً- بإمتياز!، لأن الرجل، وخاصةً بعد أن أدى فريضته الفاشية بقمع المعارضين داخلياً وتحويل تركيا الى زنزانات كبيرة لتصفية الساسة الرافضين لنهجه والمثقفين المنتقدين لفكره والإعلاميين الفاضحين لإنتهاكاته في مجال حقوق الإنسان وكل ضمير حر ومناهض لحزبه وحكمه، أصبح اليوم يتجرأ، خارجياً، حتى على أن يتعاطى مع دول المنطقة أيضاً، بمخيلة إستعلائية مرجعية، هي المخيلة العثمانية التوسعية!

وكلنا نعي ان هذه المخيلة لا تقوم ولاتتحقق إلا بلغة الغزو والإحتلال، أوالفتوحات العصرية! ولكن ربما هذه المرة لا بالدعوات والسيوف والرماح والمجانيق كما كانت العادة في الأزمنة الغابرة! وإنما من خلال إستخدام الأسلحة الفتاكة والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، التي صارت بحوزة هذا (السلطان الجديد) في الحلف الناتو، وقبل ذلك طبعاً إستغلال ضعف الدول العربية والإسلامية كما هو الحال اليوم في كل من سوريا والعراق وربما غدا في البلدان أخرى.

وعلى المستوى الديني أيضاً، لا يُخفى على أحد منا بان اردوغان، نجح أيضاً في استثمار الدين الإسلامي وطقوسه لمرامٍ سياسية وسلطوية ودنيوية بحتة دون ان نفضحه نحن المسلمين حتى الآن ونقف بوجه هذا المستوى الخطير من التلاعب والإستهتار! وها هو اليوم يلعب مجدداً، وأمام اعيننا جميعاً، على نفس الخطاب في غزوه البربري الحالي ضد السورين بكافة مكوناتهم الموجودة في المناطق التي يسيطر عليها الكُرد، وكيف لا! فالرجل صار يتحكم فعلاً بكل شيء، ولا يأبى حتى بالإعتراضات الدولية! فما بالك بان تصل الأمور معه الى أدلجة وقومنة المساجد التركية وترسيخ هذه الأخيرة لإهداف سياسية واستهداف صورة حتى من هُم أكثر تمسكاً من حزبه بالإسلام! أي الشعب الكردي، وبالتالي تسويغ غزواته للرأي العالم العالمي والإسلامي على صورة فتح بلاد الكُفار كما يلمس كل مرء ومراقب اليوم في الهتافات الساذجة لجنوده المؤدلجين ومرتزقته المتطرفين والآلة الإعلامية الدعائية لدولته الغازية.

بمعنى آخر، ان اردوغان بات اليوم يقدم نفسه كمرجعية سياسية ودينية لدول المنطقة كافة، ويريد ان تكون تركيا اليوم الإمبراطورية العثمانية القادمة التي تقوم على محو دور كل الدول العربية والإسلامية في المنطقة تدريجياً.

وما يؤسف المرء هنا هو إقرار ومشاطرة بعض الدول والحركات السياسية في المنطقة لهذا الدور الخطير ودعمهم لهذه الغزوات الإردوغانية مقابل حفنة من المال أو الدعم السياسي القائم على توسيع دائرة الفِتَن، لاسيما الأشقاء الفلسطينين، الذين ينتظر الكثير منهم وبكل قناعة أن يحرر لهم السلطان العثماني الجديد مدينة القدس والإراضي المحتلة في الوقت الذي يتذكر الكل جيداً بأن هذا الرجل كان أول رئيس وزراء تركي مسلم أدعى أنه حفيد العثمانيين، بينما أنحنى أمام قبر أبو الصهيونية تيودور هرتزل (1860-1904م) الذي طرده السلطان عبدالحميد الثاني! كما أنه أول من بالقدس كعاصمة لإسرائيل، حتى قبل الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب.