لئن کان الساسة الغربيون يميلون الى مسايرة الحکومات الترکية المتعاقبة منذ عام 1984 بعد أن بدأ الکابوس الکردي يطل مجددا على رٶوسها، ولکن معظمهم يسخرون في سرهم وفي جلساتهم الخاصة من الکوردفوبيا وحتى يتندرون بها، ولکن وبحکم الاجواء البراغماتية التي تتحکم في العلاقات السياسية والاقتصادية، فإنهم يجدون أنفسهم أحيانا وعلى خلاف رغبتهم مضطرون لمسايرة يبدو إنها قد جعلت الساسة الاتراك يعتقدون بأن البلدان الغربية تقف الى صفهم وتٶيدهم تإييدا لاغبار عليه.

سياسة المسايرة الغربية هذه للأتراك، هي النسخة المحسنة من سياسة المسايرة الغربية للنظام الديني في إيران، وکلا الطرفين، أي ترکيا وإيران قد إستفادا من هذه المسايرة التي هي في الحقيقة نوعا من أنواع النفاق السياسي ولکن بأسوأ أنماطه، وهذه المسايرة قد بلغت حد"الغباء"و"الحمق"، حينما بادر الغرب لغض الطرف عن حقائق بالغة الخطورة نظير العلاقة التي تربط البلدين بالکثير من الامور والقضايا المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وحتى إن صدور تصريحات غربية توجه أصابع الاتهام لکلا البلدين بصورة أو بأخرى بالتورط في الامور المتعلقة بالارهاب.

لو أحصينا الهجمات التي قام بها الجيش الترکي في العراق وسوريا من أجل القضاء على النشاطات الارهابية"الکردية"، ولاريب من إن الاتراك لو قاموا بحسابات الربح والخسارة، فإن خسارتهم أکبر وأهم شئ حصلوا عليه"ولانقول أنجزوه لأنهم لم يصلوا الى ذلك المستوى"، هو إعتقالهم للزعيم الکوردي عبدالله أوجلان والذي ماکان يتم إطلاقا لولا المساعدة والعون المقدم من جانب المخابرات الامريکية والاسرائيلية، والملفت للنظر. وإن الاتراك ماضون قدما في عملياتهم ضد الکورد والتي يريدون أن يغيروا من خلالها من مسار التأريخ ويقلبون الواقع رأسا على عقب من دون أن ينتبهوا بأن لعامل مرور الزمن دوره وتأثيره في تغيير طرق واسلوب التعامل مع الکثير من القضايا.

أردوغان في هجومه على شرق الفرات والذي يسعى فيه لإجراء أکبر عملية تغيير ديموغرافية عنصرية من نوعها في التأريخ المعاصر، يواجه عقبتين لابد له وأن يتحمل تبعاتهما، الاول؛القضية الکردية لم تعد کما کانت في العقد الاخير من الالفية الماضية، وإن العالم بدأ يبدي تفهما أکبر للقضية الکوردية، وحتى إن البيان المصري شديد اللهجة ضد الهجمة الترکية قد أشار وبصريح العبارة الى رفضها إجراء هندسة ديمغرافية لتعديل التركيبة السكانية في شمال سوريا، في إشارة واضحة للمکون الکردي، کما إن البيان السعودي الذي رفض الذرائع التيتسوقها ترکيا في إشارة ضمنية واضحة للکورد، هذا إذا وضعنا جانبا الرفض الاوربي الواضح والصريح لهذه الهجمة والدعوة لعقد إجتماع لمجلس الامن الدولي بالاضافة الى التلويح من جانب الکونغرس الامريکي بعقوبات على ترکيا، وبصورة عامة هناك تعاطف دولي مع القضية الکوردية. وکل هذه المواقف لم تکن ترافق أية عملية عسکرية ترکية في السابق. العقبة الثانية؛ هي إن الاوضاع الاقتصادية في ترکيا في أسوأ حالاتها بل وأن نجمأردوغان السياسي يسير نحو الافول وإن التهديدات تحدق به من کل جانب، وإن هذه الاوضاع لن تسمح له بعملية قد تطول وذلك أمر محتمل ووارد، وإن هذه الهجمة هي آخر مافي جعبة أردوغان وهو قد قام بها لکي يعيد الاعتبار لشعبيته المهتزة أمام الاتراك ولکن قد تنقلب وبالا عليه ولاسيما بعد أن تتقاطر توابيت القتلى من شرق الفرات على المدن الترکية وتبين بأن المسألة لم تکن کما صورها أردوغان!