المجازر " الإسرائلية " التي بدأت يوم الخميس الفائت، حصدت حتى تاريخ 3 / أكتوبر الجاري 68 شهيداً و 250 جريحاً، في محافظة شمال قطاع غزّة، وكانت نسبة الشهداء من الأطفال، دون سنّ الثامنة عشرة قد بلغت 27% حسب ما جاء على لسان وزير الصحة الفلسطيني الدكتور جواد الطيبي.
الهجوم " الإسرائيلي " جاء مفاجئاً، أخذَ صورة الإجتياحات المدمرة، طالت البيوت والجوامع والمدارس، والبنيّة التحتيّة، وجاءت على المواطنين الآمنين العزل.
بدا من الحشودات " الإسرائيلية " الضخمة، الدبابات والطائرات والجرافات والجنود، أنّ العدوان كبير، وواسع، تميّزَ بتتابع موجات القذائف على التجمعات السكنيّة في مخيم جباليا، وشمال قطاع غزّة، وكانت حصيلة اليوم الأول 28 شهيداً و 140 جريحاً.
اتضحت الصورة في اليوم التالي، أي يوم الجمعة، حيثُ بدا أنّ المؤسسة العسكريّة المتحكمة بإدارة السياسة " الإسرائيليّة " مصرّة على مواصلة الإجتياح، وتطوير النشاطات العدوانيّة ضدّ الشعب الفلسطيني، فقد أعلن موفاز " انّ العمليّة العسكريّة المسماة، أيام الندم، تستهدف إنشاء منطقة عازلة، ُتبعد مصادر إطلاق صواريخ القسام وغيرها عن سيدروت جنوب اسرائيل، وتعزز القدرات الدفاعية للمستوطنات المحاذية لقطاع غزّة ".
ما يلفتُ النظر ؛ أنّ العدوان الإسرائيلي الواسع، على شمال قطاع غزّة، جاء متزامناً مع العدوان الأمريكي الواسع، على مدينة السامراء في العراق، إذ جاءت صورتا الإجتياحين " الإسرائلي الأمريكي " متشابهتين الى حدّ اختلطتا فيه على المشاهد.
انّ هذا التزامن في الإجتياحين والقصف والقتل والتدمير لم يأتِ إعتباطاً، ولم يحدث صدفةً، بل جاء متناسقاً ومتكاملاً، ومتفق عليه، بين الإدارة الأمريكية، والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، كي يبرر كلّ طرف للآخر جرائمه، وكي يؤثر كلا الإجتياحين بنتائجه العسكرية على الطرف الآخر، ويتحقق بينهما التكامل العسكري والأمني، الذي تنعكس نتائجه على مواطني المنطقة العربيّة، وتنال، من جانب آخر، من عزيمة المقاومين، في فلسطين والعراق، لأنّ المقاومة في كلا القطرين متضامنة ومتكاملة، وذات بعدٍ قومي عربي.
وما يلفت النظر أيضاً، قوة الصمود والثبات للمقاومين في فلسطين والعراق، رغم الفارق الكبير في ميزان القوى العسكري الذي هو لصالح القوى المعاديّة، وما يصرح بهِ القادة العسكريون " الإسرائيليون " حول الصواريخ الفلسطينيّة، وتهديدها للمستوطنات الصهيونيّة، يُوظف في سياق المبررات العدوانيّة ؛ فالإعلام الإسرائيلي يضخمُ من وقع الصواريخ الفلسطينية، حتى بات السامع والمشاهد الغربي يظنّ بأنّ فعالياتها مشابهة لصواريخ كروز الأمريكيّة، من ناحية تأثيرها التدميري، لكنّها، في الواقع، صواريخ تمّ تصنيعها بإمكانيات متواضعة، وتنحصر فعاليتها في مدى تأثيرها النفسي على المستوطنين " الإسرائيليين "، وتدخل في استراتيجية توازن الرعب.
التقديرات السياسيّة، تشيرالى أنّ العمليات العسكرية الإسرائيلية تندرج ضمن الخطة الشارونية القاضية بالإنسحاب من طرفٍ واحدٍ، من قطاع غزّةَ، فقد صرّح شارون، قبل عدّة أيام،: أنّ الإنسحاب من قطاع غزّة قد بدأ بالفعل. بناءً على هذا فإنّهُ ينتظر ما سوف تتمخض عنه ردود فعل الأجنحة المتطرفة في إئتلافه الحكومي، على ضوء نتائج الإجتياحات والمجازر، التي تحققها قواته على أرض غزّة، من جانب آخر فهو يطالب المؤسسة العسكريّة بتطوير النشاطات العدوانيّة، لكسر أيةّ انتصارات تحققها المقاومة الفلسطينيّة على قواته، قبل إنجاز الإنسحاب الأحاديّ الجانب، من أجل تقوية موقفه، داخل حزبه، وداخل الإئتلاف اليميني المتطرف. فإنّ شارون ومؤسسته العسكرية، تستهدف من وراء هذه الحملة المجرمة على قطاع غزّة، تسجيل انتصارات عسكريّة، على الشعب الفلسطيني، لإعطاء الإنسحاب المزمع، طابع الإنتصار العسكري، حتى لا يبدو انسحاباً انهزاميّاً "عقدة جنوب لبنان ".
أخيراً لابدّ من الإشارة بوضوح، الى الحقيقة الكامنة وراء التصعيد الإجرامي الإسرائيلي، فشارون يحاول الخروج من الأزمة التي تسكنه بالهروب الى الأمام، فهو يعيش أزمة احتلال الضفة الفلسطينيّة وقطاع غزّة، ويتهرب من استحقاق عملية السلام، والمتطلبات الدولية، لأنّ العالم مازال يعتبر " اسرائيل " كياناً محتلاً، ولم تعد التبريرات " الإسرائيلية " المضللة تنطلي على المجتمع الدولي، بأنّ الإجتياحات والإغتيالات الإسرائيلية تأتي رداّ على الإرهاب الفلسطيني، فالعمليات الإستشهادية داخل الكيان الإسرائيلي متوقفة منذ أمد بعيد، وكلّ العمليات التي تنفذها المقاومة الفلسطينيّة باتت محصورة في مساحة الضفة الفلسطينية، وقطاع غزّة، والقدس، وتستهدف الحواجز العسكريّة والدبابات والمستوطنات، وهي عمليات مقاومة مشروعة، بحكم القانون الدولي، وليست ارهاباً كما يدّعي شارون وحكومته، الى جانب المعارضة الدوليّة للإحتلال.
كما أنّ شارون يعيش أزمة داخلية مع أجنحة متطرفة في إئتلافٍ حكومي يرفض الإنسحاب من الأراضي الفلسطينية، ويهدد بترك حكومته إذاما أقدم على أيّ انسحاب من طرف واحد، تحت ضغط دولي.
صبري حجير، السويد.
[email protected]
- آخر تحديث :




التعليقات