خلال سنوات المدرسة الثانوية لم يحدث ان استطاعت الطالبات ان يتفقن على موقف واحد و كن يكررن دوما اتفق العرب على ان لا يتفقوا و خصوصا في أيام هطول الثلج حيث كانت الطالبات يبدأن مباحثات حول التغيب أو العودة الى البيت معا كي لا يحتسب عليهن غياب و كن يقضين الوقت بالمجادلات التي لا تنتهي لشيء سوى ان الساذجة وحدها هي التي تصدق ما اتفقت عليه الطالبات و تتلقى وحدها عقاب الإدارة و كذلك كان يجري عند الاتفاق على التغيب قبل بدأ الامتحانات و غيرها من المناسبات.
و كان هنالك إدراك ضمني يتم تداوله بين الطالبات و سلوك يتعودن عليه و يتعلمنه و يقوم على المخادعة و التشجيع على اتجاه معين خلال المناقشات رغم
الاقتناع الضمني الراسخ على نية مخالفته.
في تلك السنوات كنت اعتقد ان هذا الطبع مرتبط بسن الطالبات فقط أما الكبار فلابد ان سلوكهم غير ذلك و انهم ينفذون كلمتهم التي صرحوا بها أمام الجميع. خلال سنوات الدراسة الجامعية اطلعت على الاقتصاد التعاوني و نشوئه في أوربا بعد الثورة الصناعية بعد تدهور الظروف المعيشية فيها و عدم تقديم الحكومات الأوربية أية مساعدات للأفراد مما دفع هؤلاء الى مساعدة أنفسهم بأنفسهم من اجل
تخفيف آثار ارتفاع تكاليف المعيشة عليهم و كانت نشاطاتهم تلك ترتكز على الصدق و الإيمان بأنفسهم و على التعاون من اجل تحقيق هدف يخدم حياتهم جميعا و كانت تلك هي بداية التعاونيات التي ستتطور في أوربا و اطلعت بالمقابل على مدى فشل هذا العمل التعاوني في البلدان النامية بسبب افتقار الأفراد في هذه البلدان لروح التعاون و أخلاقيات العمل الجماعي المشترك.
و يمكن جيدا ملاحظة مدى ضعف و بيروقراطية المؤسسات التي تقوم على روح المشاركة و التعاون في بلدان العالم الإسلامي مثل النقابات و التعاونيات و الجمعيات الأهلية.
في البلدان النامية يحلم كل فرد ان يصبح مليونيرا و هو مستعد ان يقضي كل حياته و هو يحلم بهذا الحلم و لكنه غير مستعد للتعاون مع غيره من اجل تحقيق مكاسب ملموسة تعينه في حياته.
بغياب الثقة بالنفس و بالآخر و الخوف من استغلال الأخر و عدم الاستعداد للعمل و التضحية خوفا من هذا الاستغلال و غياب منطق الحوار و قبول الاختلاف و غياب أخلاقيات المشاركة و التعاون و العمل الجماعي لا يمكن النهوض بمؤسسات المجتمع المدني التي تعتبر من ركائز العمل الديمقراطي و أدوات نشر الثقافة الديمقراطية .
فلا بد من اجل النهوض بهذه المؤسسات البدء بنشر ثقافة المشاركة و مبادئها الأساسية التي تقوم أولا على الإقرار بالاختلاف و التنوع و التعدد و هذا الإقرار يستلزم أولا الإيمان بالحقيقة النسبية و عدم ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة التي يمتنع معها منعا باتا قبول الاختلاف و هذا الاختلاف هو سر و علة الحوار فلا معنى للحوار مع ادعاء امتلاك الحقائق المطلقة. ان العائق أمام بلوغ ذلك تبقى الثقافة القائمة و نظم التعليم و الفهم الديني السائد و العائد للقرون الوسطى و هذا التفسير و الفهم الضيق للدين يبقى هو العنصر الحاسم، فالديمقراطية ليست نظام سياسي يُختزل في صناديق الاقتراع إنما
هي أخلاقيات تبدأ في الأسرة المكونة من شخصين حرين مستقلين مصممان على التضحية ببعض حرياتهما و الحوار و التفاهم و الرغبة في العيش المشترك و تربية الأطفال
انطلاقا من مبدأ احترام قيمة الإنسان و حقوقه و لا تبدأ الديمقراطية من أسرة بدوية تقوم على إرادة و رغبة راعي الأسرة الزوج وحده و حيث تسود الوصاية و علاقة التبعية و الطاعة المطلقة و السلطة اللامحدودة على كل الأفراد فيها.
ان العمل المشترك يتطلب الحوار الصادق الشجاع و بدونه ستمضي الشعوب الإسلامية آلاف السنين القادمة في بؤسها و شقائها و فقرها حيث يحلم كل فرد فيها ان يصبح مليونيرا و هي عاجزة عن مساعدة نفسها بنفسها.
[email protected]




التعليقات