قرأت بأهتمام وتمعن مقابلة صحفية مع صدر الدين البيانوني المراقب العام للأخوان المسلمين في سوريا . كنت أتوقع أن أجد في المقابلة، ولو بين السطور، تحولا ما أو تجديدا ذا معنى لأفكار هذا الحزب القديم بعد عشرات السنين من الهزائم والخيبات والعثرات والصراعات واللجوء الى العنف احيانا وللعمل السلمي احيانا أخرى، ناهيك عن أن الوقت قد حان لاستخلاص العبر من تجارب عديدة لأنظمة اسلامية.
ولكن السيد البيانوني لم يجد في جعبته من اجابة حول الاسلام السياسي غير ترديد عبارات أكل الدهر عليها وشرب كقوله: " ان الاسلام السياسي مصطلح ناشئ أصلاً عن الجهل بالاسلام الذي جاء بالعقيدة والشريعه، خلافا للمسيحية التي جاءت بالعقيدة فقط ونادت باعطاء ما لقيصر لقيصر و ما لله لله ".
وأضاف قائلا:
" انك حين تجرد الاسلام من بعده التشريعي، لا يبقى اسلاما وانما يتحول الى شئ آخر. ان الاسلام دين شامل لكل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية . فليس هناك اسلام سياسي واسلام اقتصادي واسلام اجتماعي ... بل هو اسلام شامل لكل جوانب الحياة."
كلام قديم و جميل كالشعر الجاهلي لا يسمن ولا يغني عن جوع!
وجمل جاهزة تصلح لمتحف الأديان أكثرمما تصلح كأساس لنقاش جدي معاصر حول مستقبل سوريا السياسي والأساس الذي ستقوم عليه دولة ما بعد البعث.
والحال أن المراقب العام للأخوان المسلمين لم يعط اجابات على اسئلة وانما فتح الباب على مصراعيه على مجموعه أسئلة لا بد له يوما أن يجيب عليها سواء بقي في المعارضة او تمكن بشكل أو بآخر من الوصول الى الحكم.
واحتراما منا لشعب سوريا وحقه في فهم معاني الكلمات وابعادها اردنا ان نساعد السيد البيانوني في مهمته وذلك بطرح الأسئلة التاليه:
1- ما هو الضرر الذي لحق بالعقيدة المسيحية ( ومصدرها نفس الاله الذي يعبده المسلمون) بسبب كونها عقيدة فقط؟.
وهل يقصد المراقب العام،لا سمح الله، بأن الإسلام أرقى وأكمل من الديانة السيحية التي جاءت بالعقيدة فقط؟

2- ربط العقيدة بالشريعة جاءت به اليهودية قبل الاسلام. العقيدة اليهودية ما زالت موجودة و معتنقه بينما لا مكان للشريعة وتطبيقها لا في اسرائيل ولا في أي مجتمع يهودي آخر. لماذا بقيت اليهودية يهودية ولم تندثر رغم عدم تطبيق الشريعة، بينما لا يبقى الاسلام اسلاما دون تطبيقها؟
3- كيف يوفق السيد البيانوني بين مقولة بان الإسلام لا يبقى إسلاما إذا تجرد من بعده التشريعي في حين أن الشريعة ليست ركنا من اركان الأسلام الخمس؟
4- ما هو نظام الحكم في الأسلام؟ هل هو نظام الخلافه كما عرفناه خلال 14 قرنا أم النظام الملكي السعودي او النظام الايراني الجمهوري تحت وصاية ولاية الفقيه أو نظام الطالبان؟
5- ما هو النظام الأقتصادي في الأسلام؟
6- ما هو النظام الآجتماعي في الأسلام؟ هل هو المجتمع البدوي او مجتمعات الرق والحريم او المجتمع الزراعي الأقطا عي او مجتمع تجار المدن او المجتمعات الاسلامية في أفريقيا السوداء او تلك التي عرفتها بلدان آسيا ذات الأكثرية المسلمة؟.
7- كيف يوفق السيد البيانوني بين كون الأيمان يشمل الغني والفقير، العالم والجاهل، العامل وصاحب العمل بينما لا يمكن أن توحد الافكار السياسية القائمة على المصلحة جميع المؤمنين الا اذا اعتبروا أن العبودية والأستغلال والظلم امتحان لهم في الدنيا سينالون جزائهم عليه في الآخرة.
8- أي معادلة بحاجة الى ثوابت و متحولات. والدين لا يمكن أن يشذ على هذه القاعدة. يتحدث اللإسلاميون دوما عن ثوابت العقيدة دون وضع جدول نهائي لها ويتجاهلون الحديث عن المتحولات. ما هي اذا برأي السيد البيانوني، الثوابت و ماهي المتحولات في اللإسلام ؟.
9- تحتاج الدولة الحديثة الي دستور يعرف شكل الحكم ومؤسساته والى مجموعة كبيرة من القوانين الإدارية وقوانين العمل والقوانين الجنائية، وقوانين حماية الطفولة، وقوانين الأحوال الشخصية، وقوانين الضرائب والتجارة الخارجية وحتى قوانين تنظيم السير. كيف يمكن إذا الإدعاء بأن الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة بينما لا تجد فيه الا شيأ يكاد لا يذكر مما تحتاجه الدولة العصرية من دستور و قوانين.
10- قليل من الإسلاميين من يصر على تطبيق العقوبات الجسدية التي جاءت بها الشريعه مثل قطع يد السارق والجلد وغيرها. ولا يثير الغاء حكم الإعدام أي استنكار يذكر ولكنهم يصرون جميعا وبشدة على التطبيق الحرفي لكل ما يرسخ دونية المرأة في المجتمع. ليصارحنا المراقب العام بما يخفيه شعار تطبيق الشريعة. هل هو ليس الا حجة للإ ستمرار في قمع المرأة ومنعها من تحقيق مساواتها بالرجل؟ هل هو أيضا تهرب من تطبيق إعلان حقوق الإنسان العالمي الذي وقعت عليه معظم الدول العربية بينما نتهرب وبكل وسيلة من احترامه وتطبيق نصوصه؟
11- من حق السيد البيانوني أن يمارس السياسة من منطلق إسلامي وأن يجد في الإسلام ما يشاء ولكن الى متى سيستمر في إطلاق شعارات لا تترجم إلي برنامج سياسي يشرح للمواطن ما سينتظره في حالة وصول الإخوان المسلمين الي الحكم و دون الإدعاء بأن مهمتهم تنفيذ مشسيئة الله على الإرض.

د. حسان جمالي