لا ديمقراطية بدون انتخابات، الا ان الديمقراطية ليست نتيجة حتمية للأنتخابات))
كانت المانيا قبل عام 1933 دولة ديمقراطية لها برلمان منتخب يضم مختلف القوى والأحزاب السياسية. في ظل هذه الأجواء والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستقرة انتخب أدولف هتلر Adolf Hitler(زعيم الحزب النازي الألماني) مستشارا لجمهورية المانيا عام 1933. وبحكم الطبيعة الشمولية الفاشية للحزب النازي وضعف اليات الرقابة التي يفترض انها تحافظ على الديمقراطية في البلاد،، انفرد هتلر في السلطة فقام بتصفية معارضيه بشكل تدريجي مدروس تمهيدا لفرض دكتاتوريتة.
قد يصلح ذلك مثالا جليا على ان نتائج الأنتخابات قد تؤدي الى الدكتاتورية والفوضى، حتى لو توفرت الشروط الموضوعية والشكلية لنجاحها.
من ناحية اخرى يعتبر استقرار الوضع الأمني من اهم عوامل نجاح اي عملية انتخابية وفي غياب هذا العامل لا يمكن تحقيق نتائج سليمة بسبب عدم مشاركة اكبر عدد من المواطنين المشمولين بحق المشاركة في هذه الممارسة (الأنتخابات) اما خوفا او طوعا لعدم الرغبة في المشاركة، بالأضافة الى عمليات التزوير والأحتيال التي قد تقع لنفس الأسباب وبالتالي فان حرمان هذا العدد الهائل لا يخدم الأمن والأستقرار ناهيكم عن الأساءة الكبيرة للعملية الديمقراطية.
سأناقش الان العملية الأنتخابية ونتائجها في العراق وافترض توفر ظروف امنية مستقرة. بعبارة اخرى ساستبعد وجود الانفلات والتدهور الامني القائم في العراق.
وساترك للقارئ الكريم استنتاج ما ستؤل اليه نتائج الأنتخابات في حال اجرائها في ظل ظروف الامن المنفلت بالأضافة للظروف والمعطيات التي سأذكرها.
الديمقراطية بوصفها ممارسة بالمقام الأول ينبغي ان تعتمد على قوى واحزاب سياسية لها خلفية وخبرة في العمل الديمقراطي، من خلال ممارسة الصيغ الديمقراطية ضمن تنظيماتها لسنوات طويلة وتؤمن بالوصول الى السلطة والتزاحم مع الاخرين سلميا بالأضافة الى تمتعها بالأستقلالية الكاملة والحصانة ازاء تدخل القوى الخارجية في شؤون سياستها الداخلية والخارجية.
واذا ما توفرت مثل هذه الشروط فان ممارسة الديمقراطية بعد الأنتخابات تخضع لجملة قواعد واليات ينظمها دستور دائم، تتمثل في كيفية تداول السلطة سلميا وحماية هذه الممارسة بانشاء محكمة دستورية عليا وسلطات واجهزة ومؤسسات جديرة بتحقيق الرقابة وحماية النظام الديمقراطي.
بالاستناد الى هذه المقدمة يمكن الأجابة على بعض التساؤلات:
-هل ان القوى والأحزاب السياسية المعتمدة في مجلس الحكم المنحل ومن ثم الحكومة المؤقتة الحالية مارست الديمقراطية ضمن تنظيماتها وهل اتسم عملها الأستقلال عن اي ضغوط اوتدخلات؟
-هل توفرت مؤسسات وقضاء عراقي تتمتع بالكفاءة ولها القدرة على ضبط الممارسة الديمقراطية والحفاظ على تقاليدها ونزاهة نتائجها الى ما بعد الأنتخابات؟
يمكن القول ان جميع الأحزاب والقوى السياسية التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدتها في ادارة البلاد تشترك في بقاء قادتها عقودا من الزمن على راس هياكلها دون تغيير او تداول للمسؤولية، وتعكس الأنشقاقات المتكرره فيها، وقمع الرأي الاخر، طبيعتها السلطوية، وافتقارها الى الحد الأدنى من الممارسة الديمقراطية.
كماان تنفيذ الحكومة المؤقتة لكل ما تمليه عليها سلطة الأحتلال، لهو دليل اخر على عدم استقلالية القوى والأحزاب التي تشكلت منها هذه الحكومة. وتبعا لذلك فان فاقد الشئ قبل خوض الأنتخابات، لا يمكن ان يعطيه بعدها.
اما استقلالية السلطة القضائية وامكانية قيامها بدورها في الرقابة والحماية المطلوبة فهي محل شك كبير، لان قوات الأحتلال وجميع المتعاقدين والعاملين معها ما زالوا يتمتعون بالحصانة الكاملة عن اي جريمة يرتكبونها ضد الأنسانية في العراق، وقد بلغ عدد المدنيين العراقيين الذين قتلوا منذ احتلال العراق في 9/4/2003 حتى الان اكثر من 100 الف شخص(حسب مانشرته مجلة لانسيت الطبية الأمريكية). مئات المعتقلين لدى قوات الاحتلال تعرضوا لأبشع انواع التعذيب، ومع ذلك لم يلاحظ، للاسف الشديد، اي رد فعل للسلطة القضائية في العراق، عدا تصريحات وزير العدل العراقي المؤقت لصحيفة الدستور الأردنية بتأريخ 16/10/2004 الذي أكد "ان قوات الأحتلال الامريكي في العراق لا تزال تفرض قراراتها الجائرة على البلاد...".
استنادا الى ما تقدم فان الشروط الجوهرية لممارسة الديمقراطية في العراق مفقودة، وان ما يروج لها وعنها من قبل سلطة الأحتلال وممثليها في الحكومة المؤقتة ما هو الا وهم وخيال يراد منها تمرير لعبة "الأنتخابات". اي ان انتخابات كانون الثاني 2005 وما سيتمخض عنها، ستستثمر من قبل سلطة الأحتلال بما يحقق اهدافها واستمرار وجودها في العراق.
ولغرض التوصل الى ما سيتمخض عن هذه الأنتخابات، لابد من معرفة الحقائق التالية:
1- ستجري الأنتخابات تحت اشراف وحماية سلطة الأحتلال بكل ما تملك من ماكنة حربية واحزاب وكيانات سياسية في الحكومة المؤقته وخارجها.
2-شكلت "مفوضية الأنتخابات العراقية" بالأمر المرقم 92 في 31/5/2004 الصادر من المدير الأداري لسلطة الأئتلاف المؤقتة (السفير بريمر).
3-صدر ما يسمى "قانون الأنتخابات" بالأمر المرقم 96 في 7/6/2004 بتوقيع المدير الأداري لسلطة الأئتلاف المؤقتة (السفير بريمر).
4-تتالف مفوضية الأنتخابات العراقية من تسعة أعضاء. تم تعيين ثمانية منهم بقرار من السفير بريمر وموافقة مجلس الحكم المنحل. وان سبعة من هؤلاء مواطنون عراقيون من الذين لهم حق التصويت في مجلس المفوضية والثامن مدير عام يقوم بالشؤون الأدارية في مجلس المفوضية. اما التاسع فهو الخبير الدولي الذي لايشترك في الأدارة او التصويت.
5-يتقاضى اعضاء المفوضية والمدير العام راتب وزير من الحكومة العراقية المؤقتة.
6-الموارد الرئيسية للمفوضية تقررها الحكومة العراقية المؤقتة.
7-للمفوضية صلاحيات اهمها:
*تقرير وانشاء وتطوير اللوائح الأنتخابية والتصديق عليها وتقسيمها وصيانتها.
*تنظيم وادارة التسجيل والمصادقة على الأحزاب والمرشحين.
*التصديق على نتائج الأنتخابات.
8-تؤكد التقارير على ان الأمم المتحدة غير معنية بالأنتخابات التي ستجري في العراق في 31 كانون الثاني 2005 وهذا ما اكده الأمين العام للأمم المتحدة في زيارته الى ايرلنده منتصف اكتوبر 2004 حيث قال "ان المنظمة لن تذهب الى العراق لمراقبة الأنتخابات في كانون الثاني 2005". وقد اكد وزير الخارجية العراقي المؤقت ان الأمم المتحدة ليست متحمسة وغير جادة بموضوع الأنتخابات في العراق(وكالة الأخبار العراقية في 27/10/2004).
هذه الحقائق تدلنا على ان هذه الهيمنة من قبل سلطة الأحتلال و الحكومة المؤقتة على الشؤون الأدارية والمالية لمفوضية الأنتخابات، ستسهل تدخلها المباشر او غير المباشر في اختصاصاتها. وان امتناع الأمم المتحدة عن التدخل لمراقبة الأنتخابات ووضع التشريعات اللازمه لتسهيل المهام الادارية والمالية لمفوضية الأنتخابات بسبب عدم شرعية الحرب والأحتلال كما أكدها الأمين العام للأمم المتحدة، يجعل من هذه الأنتخابات غير شرعية ايضا، لاسيما وان السيادة العراقية منقوصة من حيث ان الحكومة المؤقتة نفسها صنيعة سلطة الأحتلال.
وفي ظل هيمنة سلطة الأحتلال وغياب دور الأمم المتحدة، فان السلطة القضائية في العراق لا حول ولا قوة لها، بل انها قد تعمل لخدمة ما تسعى اليه سلطة الأحتلال. وهذه التبعية لم تتحقق الا بعد تعيين من ينسجم مع سايكولوجية سلطة الأحتلال في المواقع الرئيسية للسلطة القضائية.
قد يتسائل المرء عن مدى تأثير عدم استقلالية وتبعية مفوضية الأنتخابات وعدم فاعلية القضاء العراقي على نتائج الأنتخابات، الى ذلك نرى ان الأستقلالية في اتخاذ القرارأت وممارسة الأعمال لا تنحصر بالتبعية الأدارية والمالية وانما تتصل بالعوامل الذاتية التي لها دور مهم في بعض الاحيان. فان من يتمتع بهذه الخاصية (الأستقلالية الذاتية) سيتعرض حتما الى صراع مرير بين الواقع والذات مما قد يدفع به للأستقالة اوتحمل مصاعب اكبر، وهذا ما حدث للناطق الرسمي باسم المفوضية الذي قدم استقالته احتجاجا على عراقيل تضعها جهات رسمية امام عمل المفوضية(شبكة ايلاف في 20/10/2004).
من ناحية ذات صلة لا تقتصر نتائج الأنتخابات على هيمنة سلطة الأحتلال وتبعية مفوضية الأنتخابات والأحزاب والكيانات السياسية التي تتشكل منها الحكومة المؤقتة، وانما على الأرضية التي هيئها قانون الأنتخابات لتحقيق النتائج المطلوبة.
فبموجب القسمين الثالث والرابع من قانون الأنتخابات فان العراق يعتبر دائرة انتخابية واحدة، وان طريقة انتخابات القائمة هو المعول عليها، اي ان مقاعد المجلس الوطني ستوزع تبعا لترتيب الأسماء الواردة للمرشحين في القائمة.
هذه الطريقة تختلف عن طريقة انتخابات القائمة الشائعة بين الدول التي تعتمد توسيع حجم الدوائر الأنتخابية وطرح قوائم بالمرشحين وبالعدد المخصص لكل دائرة انتخابية وهي طريقة لا تقبل غير التمثيل النسبي ويكون النواب ممثلين للمناطق الأنتخابية وليسوا غرباء عنها كما هو حال الدائرة الأنتخابية الواحدة التي ستجري في العراق.
يبدو ان الطريقة التي اعتمدت في العراق هي نسخة من الطريقة المعتمدة في اسرائيل منذ عام 1949 وان اسلوب القوائم المغلقة المتبعة في اسرائيل هي نفسها التي ستتبع في العراق، اي يقوم الناخب باختيار القائمة المطروحة للتصويت بدون اي تغيير فيها. هذه الطريقة عكس طريقة القوائم بالأفضلية المتبعة في بعض الدول التي تعطي الحق للناخب حرية اختيار العدد المطلوب للدائرة الأنتخابية من المرشحين في قوائم مختلفة مطروحة للتصويت. ان تطبيق مثل هذا الخيار وتطابق اسلوب التعامل مع الأحداث في العراق مع ما يجري في الاراضي الفلسطينية المحتلة يؤكد لنا بان العقلية المخططة واحدة.
بالنظر لأهمية تسلسل اسماء المرشحين في نظام القوائم المغلقة في استحواذهم على المقاعد المخصصة في المجلس الوطني، فان نفوذ الجهات المهيمنة على تنظيم وقبول هذه القوائم سيكون حاسما. بعبارة اخرى ان لسلطة الأحتلال والأحزاب والكيانات السياسية التي تمثلها في الحكومة المؤقتة سيكون لها الدور الأكبر في تحديد تسلسل الشخصيات السياسية في هذه القوائم، وبالتالي فان الناخب قد يختار قائمة بسبب وجود مرشح او اكثر تم استدراجه بذكاء ووضع في تسلسل في القائمة لا يمكن ان يحالفه الحظ بمقعد في البرلمان، وبذلك فان الناخب والمرشح يستخدمون سلّما لتحقيق غايات مرسومة او مخطط لها مسبقا.
من جانب اخر فان الدور المهيمن لسلطة الأحتلال سيمنحها تأثيرا هائلا في كيفية اعداد القوائم والأصطفافات السياسية في تلك القوائم بالشكل الذي يخدم اهدافها واغراضها والذي يضمن صعود القوى والكيانات السياسية المطلوبة لأشغال مقاعد البرلمان.
غالبا سيقتصر دور المفوضية في المساعدة والتنظيم والأدارة لعملية الانتخابات والتصديق على نتائجها بالشكل الذي لا يتقاطع مع ما تصبوا اليه سلطة الاحتلال.
ولو افترضنا ان مفوضية الأنتخابات استطاعت احتواء هيمنة سلطة الأحتلال اعتمادا على الأستقلالية الذاتية لاعضائها وعدم قبولها الأملاءات والشروط وهو امر مستبعد، كما تشير الكثير من القرائن، فان السيطرة على جيش الموظفين المشرفين على ثمانية الاف مركز انتخابي والذين سيبلغ عددهم اكثر من 100 الف موظف سيكون بحكم المستحيل، لاسيما وان تعيينهم سيتم بترشيحات من القوى والأحزاب التي تتألف منها الحكومة المؤقنة وبعيدا عن اي اشراف دولي. هذا اذا ما اضفنا الفساد الأداري الذي بلغ ذروته بعد الأحتلال، وعمليات التزوير المستمرة للبطاقات التموينية كما تشير بعض التقارير (راجع و.أ.ع في 29/10/2004). فان جميع هذه الظروف والمعطيات ستساعد على حسم النتائج لصالح سلطة الأحتلال سلفا وكما اشرنا.
لذا فان الأعتقاد بان هذه الأنتخابات ستكون حرة ونزيهة ولو بالحدود الدنيا اعتقاد ساذج. وكما اختير اعضاء مجلس الحكم المنحل والحكومة الموقتة، فسوف يتم اختيار اكثر من ثلثي عدد اعضاء المجلس الوطني واعضاء الحكومة الأنتقالية وعلى نفس الأسس الطائفية والأثنية تمعنا في تجذيرها، وارى بان العمل جار على قدم وساق لتحقيق هذه النتائج من خلال الأنتخابات بالوسائل والظروف والمعطيات المتاحة.
ومن يرىان بوسع المجلس الوطني القادم ان يضع دستورا دائما للبلاد وبالتالي انبثاق برلمان دائم وحكومة دائمية، فارى بانه واهم، لان المادة 61/ج من قانون ادارة الدولة المؤقت تعتبر مقبرة لمثل هذا الدستور، فقد منحت حق رفض مسودة الدستور لثلثي الناخبين في ثلاث محافظات او اكثر، وفي هذه الحالة يحل المجلس الوطني، وتجري انتخابات جديدة لمجلس وطني جديد لصياغة مسودة دستور جديد، وهكذا تستمر دورة الرفض والاستفتاء الجديد وفق المادة61/ه.
وحيث ان المادة 62 من قانون ادارة الدولة توجب سريان هذا القانون لحين صدور دستور دائم وتشكيل حكومة عراقية جديدة، وان قوات الأحتلال ستبقى المهيمنة على القوات المسلحة والوضع في العراق لحين اقرار الدستور الدائم وانبثاق الحكومة الجديدة استنادا للمادة 59/ب من القانون المذكور، فدوامة الظروف الأستثنائية وحالة الطوارئ والأحتلال وكل ما يرافق ذلك من خرق للقانون الدولي الانساني ستستمر.
في دائرة ذلك كله يظل وعي المواطن العراقي بما يدور حوله هو الكفيل بوضع حد لجميع هذه المخططات وبناء عراق ديمقراطي ليبرالي موحد يرفض الأحتلال والتدخل الأجنبي.
التعليقات