ينشغل الناس، خاصة مع مضي السنوات من أعمارهم، بمسألة علاقتهم بالعمر. الشائع هو القول إن سنوات الشباب تعني ربيع العمر، وما إن نبلغ الأربعين ونجتازها نكون قد دخلنا مرحلة العد العكسي نحو الكهولة، وتالياً نحو الشيخوخة، أو ما يقال عنه خريف العمر. لكن من قال إن الخريف ليس فصلاً جميلاً، لا في الطبيعة وحدها وإنما في أعمارنا أيضاً؟
في خريف العمر هذا يصبح الناس أنضج وأكثر معرفة وحكمة، بعد ما مرّوا عليه من تجارب في سنوات عمرهم على الأقل منذ أن أصبحوا شباناً حتى تجاوزوا الأربعين، وقد يجدون وسائل متعة وبهجة لم تكن متاحة لهم قبلها.
في إطار حديثه، في مقابلة أجريت معه، عن فيلمه الجديد Here تحدث النجم السينمائي الشهير توم هانكس عن علاقته، أو رؤيته لموضوع العمر. لم يتحدث هانكس عن عمر الأربعين، وإنما عمّا قبلها، عن عمر الخامسة والثلاثين، مشيراً إلى أن هذا العمر يمثل تحدياً، حين تبدأ في الظهور تغيرات واضحة في الجسم، مثل تباطؤ الأيض وتأثير الجاذبية، واصفاً هذه الفترة بأنها «الحياة بعبء كبير»، ما حمله على أن يرى نفسه اليوم، وقد بلغ الثامنة والستين، وقد أصبح يشعر بأنه في صحة أفضل بفضل التمارين المنتظمة والعادات الصحية، فضلاً عن أن أطفاله أصبحوا بالغين، ولم يعودوا بحاجة إلى وقت كبير للعناية بهم كما كانت عليه الحال عندما كانوا صغاراً، وليخلص إلى أنه أكثر سعادة بعمره الحالي، مشيراً إلى أنه لا يرغب في العودة إلى عمر 35، على الرغم من أن التكنولوجيا في الفيلم سمحت له باستكشاف ذلك بصرياً.
ما قاله هانكس يتسق مع ما ذهبت إليه دراسات مختصة من أن البشر يصبحون أكثر إشباعاً عاطفياً بشكلٍ مطرد مع تقدّم أعمارهم، ويبدو الكثيرون في سنوات النضج أجمل مما كانوا عليه وهم في سنوات الصبا والشباب، وطبيعي أن يبعث ذلك في نفوسهم مشاعر من الرضا والبهجة، ولعلّ الكثيرين وقد باتوا أكبر سناً يشعرون بسعادة افتقدوها في مراحلهم العمرية الصغرى.
وجدت مناسباً أن أختم هذه الإطلالة على العمر بإعادة بعض أبيات سبق أن أوردتها في مقال في مجلة «كل الأسرة»، للشاعر الروسي ألكسندر يفتوشينكيو، ترجمها إلى العربية المترجم السوري القدير إبراهيم إستنبولي، تقول: «نحن لا نشيخ بفعل الشيخوخة/ ولا بسبب السنوات التي عشناها/ بل نشيخ من التعب/ بفعل الحزن والقدر المحتوم/ وبفعل حبٍّ لم يُكتب له النجاح/ بسبب فقدان الأمل في الحياة/ وبسبب صخب كل يوم/ بسبب الهموم التي تتضاعف/ والمشاكل التي لا حلَّ لها/ نحن نشيخ قبل الأوان/ لأنَّ أرواحنا تُصاب باليباس».
التعليقات