فوز بوش وخارطة الطريق:ولماذا فشل كيري؟

هل يستحق بوش الفوز في الانتخابات ولماذا فشل كيري، وهل سيفي بوش بوعده في ترجمة خارطة الطريق الى واقع حقيقي، اسئلة تحتاج الى اجوبة. وابدأ بتعليق هام لوسائل الاعلام الامريكية قدمه مارتن انديك العضو البارز في بروكنك انستيتيوت
)Brooking Institute)
وسفير سابق في البلاط الشاروني. والذي يعتقد البعض انه صهيوني: هذا ما قاله:" بوش قدم مبادرة هامة لحل النزاع العربي الاسرائيلي اسمها خارطة الطريق، ولكنه فعل القليل ليتابع الموضوع". هذه شهادة هامة من رجل مؤيد لاسرائيل وقال ذلك تعليقا على فوز بوش في الانتخابات. بوش ربح الانتخابات باستغلاله لقب" رئيس دولة في حالة حرب". استطلاعات الرأي من الذين صوتوا وسئلوا خارج قاعات الاقتراع اعطت انطباعا ان جون كيري سيربح الانتخابات.
ظهر بوش للشعب الامريكي انه رجل ذو عقيدة دينية قوية يمتلك الرّغبة في استعمال القوّة لمكافحة الارهاب. رغم عناده وعدم اعترافه بأنه يخطيء احيانا. استعمل نظرية القيم الاخلاقية كشعار انتخابي مما جلب تأييد الفئات المحافظة وحتى الكاثوليك المؤيدين التقليديين للحزب الديمقراطي. 76% من الاصوليين في الكنائس المعمدانية الجنوبية صوّتوا لصالح بوش. وهؤلاء وغيرهم انحازوا لبوش بسبب الفقرة رقم 11 في ورقة الانتخابات. رقم 11 مهم لانه يتعلق بالتصويت نعم او لا للسؤال المتعلق بالزواج بين الشاذين جنسيا. الديمقراطيين يؤيدوا الحرية في الاختيار في هذا الموضوع ولكن الجمهوريين يعارضوا ذلك كليا. بوش ربح غالبية اصوات النساء البيض المتزوجات والامهات، المسيحيين الاصوليين، عائلات العسكريين ومعظم من يذهبوا للكنائس اسبوعيا. أما جون كيري صوّت له النساء العازبات، النساء العاملات، السود، 25% من اليهود والشاذين جنسيا والاقليات التي تتحدث اللغة الاسبانية.
بدعمهم لبوش رفض الناخبون موقف كيري الذي يصر ان بوش يقود امريكا الى مستنقع دامي في العراق. سّجل كيري في مجلس الشيوخ مليء بالتناقضات ولا يدعو للفخر في حملة انتخابية. موقفه من الحملة في العراق غير واضح وغامض. بوش انفق 60 مليون دولار لفضح سجلّ كيري الانتخابي. ثم ظهر فريق من المخضرمين الذين خاضوا الحرب في فيتنام ليشككوا في سجله العسكري. هذا الفريق يدعى " مخضرمين القارب السريع للحقيقة" والاسم بالانجليزية:
(SWIFT BOAT VETERANS FOR TRUTH)
وظهرت اعلانات تلفزيونية معادية لكيري واستمرت حتى يوم الانتخابات. الاستراتيجية نجحت وربح بوش 286 دائرة انتخابية وربح كيري 252 دائرة انتخابية.
بوش ليس رجل فلسفة وعلم وتفكير وذكاء ودهاء ولكنه نجح في التركيز على القضايا الكبيرة الهامة مثل: محاربة الارهاب، نشر الحرية والديمقراطية في العالم، تخفيض الضرائب. بينما ركّز كيري على امور ثانوية مثل اختفاء كمية من المتفجرات من احد المخازن العسكرية في العراق. ولم يؤثر ذلك على الناخبين. فشل كيري في الوصول للمزارعين واصحاب الشركات الصغيرة والنساء العاملات لحسابهن الخاص وكل هؤلاء استفادوا من سياسة خفض الضرائب التي تبناها بوش. حملة بوش الانتخابية وضعت تعريف للزواج وهو اتحاد بين رجل وامرأة فقط. هذه النقطة بالذات جلبت تأييد كبير لمعسكر بوش على حساب كيري، ثم ظهر شريط فيديو بن لادن ساعات قبل الانتخابات وفرح الديمقراطيون ظنّا ان هذا سيفيدهم لانه يثبت ان بوش فشل في القبض على بن لادن او قتله. وحدث العكس تماما. وقف شوارزنيغر حاكم كاليفورنيا بجانب بوش وقال"ارنولد شوارزنيغر" بصوت عالي جدا انه"لا تفاوض مع من يكرهوا امريكا وان بوش هو القائد الوحيد " القادر على محاربة الاهابيين والقضاء عليهم". واستغل بوش الفرصة ليؤكد ان الحملة ضد الارهاب ستستمر. وفي خطابه للشعب الامريكي بعد الاعلان الرسمي عن فوزه في الانتخابات وعد بوش ان يصغي ويستجيب لمن أيدوه وهؤلاء يشملوا 4 ملايين ناخب يهودي و20 مليون ناخب مسيحي يميني من المؤيدين لاسرائيل وشارون بالذات. فاذا اراد بوش ان يستمع لهؤلاء فهو غير قادر على الضغط على اسرائيل بأن تتفاوض جديا مع الفلسطينيين. ومقالات في" النيويورك تايمز" و" يو اس تودي" ظهرت في الآيام القليلة الماضية تشكك في جدية بوش في دفع خارطة الطريق للامام. وسؤل بوش يوم الاربعاء العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) عن احتمال وفاة الرئيس عرفات وتداعيات هذا الحدث التاريخي: قال بوش انها فرصة لقيادة جديدة تقود الشعب الفلسطيني للحرية والدولة المستقلة. ونقول كلام جميل، ولكن لم يسأله أحد ماذا سيفعل اذا وجد شارون اعذار جديدة لعدم تطبيق خارطة الطريق وتهرب من العملية السلمية واستمر في سياسة القتل والدمار والاستيطان والحصار. اذا كان عرفات عقبة في طريق السلام، جاء العلي القادر وازال هذه العقبة، فمن هو مرشح ليلعب دور العقبة امام السلام في المستقبل ليعطي شارون ذريعة للتهرب. "والله لو أتيت" بالراهبة تيريزا" (التي كرست حيانها لمساعدة الفقراء في الهند حتى موتها) لتقود الفلسطنيين، او اتيت" بالسفاح جنكيزخان" ليقود الفلسطينيين، سيرفضهما شارون ويعتبرهما عقبة امام السلام. اي ان شارون لا يقبل الا البراغماتي الذي عنده استعداد تقديم المزيد والمزيد من التنازلات والاستسلام الكامل. وعلينا ان لا نعّول الكثير على زيارة بلير الآخيرة لواشنطون التي حاول فيها تذكير بوش بأهمية خارطة الطريق ورغم التصريحات الرنانة التي سمعناها سابقا ولم يتم تنفيذ أي منها لا يزال هناك قناعة لدى الكثيرين في اوروبا والشرق الاوسط ان واشنطن هي المفتاح لحل النزاع. بوش يبقى أسير للمسيحية الصهيونية واللوبي الصهيوني ولا يستطيع الضغط الحقيقي على اسرائيل. اذا كان بوش صادقا في رغبته في نشر الحرية والديمقراطية فلماذا لا يبدأ بفلسطين. هل تقبل اسرائيل ان يكون لها منافس ديمقراطي في المنطقة حيث خدعت العالم لفترة 50 عاما،انها الديمقراطية الوحيدة شرق البحر الابيض المتوسط. ويجب ان لا نكون ساذجين ونندب حظنا لفشل كيري في الانتخابات لانه انتقد بوش باستمرار اثناء الحملة الانتخابية التي راقبتها عن كثب في الفترة من 24 تشرين الثاني (اكتوبر) حتى الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر)، انتقد بوش لانه لم يأخذ اجراء عسكري ضد حزب الله في لبنان وضد حماس في غزة ليكسب اصوات اليهود في اوهايو، فلوريدا وبنسلفانيا، وهذه التصريحات كشفت طبيعة كيري واعتناقه للموقف الشاروني.

نهاد اسماعيل